إن من بين أنقاض الحرب ونداءات المستقبل، تقف الصحافة السودانية على أعتاب تحول تاريخي حي . لتكتب قانونها الجديد بين صفحاته حتى يكون في مستوى التحدي والمسؤولية ، دون قيد أو إطار ، بل ليحرر طاقاتها، ويمنحها الثقة لتكون سلاحًا من أسلحة الوطن الحاضرة ، لا عبئًا على كتفيه .فتاريخ السودان الاستثنائي يدون على صفحاته ، والبلاد تصطخب بآثار حرب مدمّرة ومقتلة عظيمة ، لتتقدّم الدولة بخطى واثقة نحو المستقبل ، وتبعث برسائل صريحة وواضحة بأن مؤسساتها ما زالت تنبض بالحياة، وأن عجلة الإصلاح لم ولن تتوقف. فقد نظّمت وزارة الثقافة والإعلام ورشة مهمّة حول تعديل قانون المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، لتؤكد أن البناء القانوني والمؤسسي ساق تقف عليه عمليات النهضة والبناء ، حتى في أحلك الظروف.
فهذه الورشة قد جاءت في توقيت بالغ الدقة وظرف غاية في الأولوية ، تحمل في طيّاتها عديد الدلالات فهي لم نكن إجتماعاً لقبيلة الصحفيين او فعالية إجرائية محدودة ، إنما كانت خطوة استراتيجية في طريق إعادة تأسيس الدولة على أسس حديثة واعية ومنهج قانوني رشيد ، تستجيب للتحولات وتطوراتها، وتضع الإعلام الوطني في قلب معركة الوعي والبناء.
تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لم يعد روتيناً تشريعيًا جامدا خامدا لا روح فيه بل ضرورة وطنية ملحّة فرضتها تعقيدات المشهد الراهن وأملتها أبجديات المرحلة . فالقانون القائم، الذي صيغ في سياقات مختلفة ولربما في زمان غابر ، لم يعد قادرًا على استيعاب القفزات التكنولوجية والمواكبات الرقمية في عالم الصحافة ، ولا على ضبط ممارسات النشر الإلكتروني والتفسح الفضائي ، أو حتى حماية الصحفيين في ظل بيئة إعلامية متحوّلة متسارعة الخطى والمضمون .
وقد ركّزت الورشة على عدد من المحاور الجوهرية ، من أبرزها:
- تعريف الصحفي، بما يضمن حمايته المهنية ويحد من الممارسة العشوائية المتزايدة.
- قضية النشر الإلكتروني ومآلاتها ، بما تتطلبه من تشريعات توازن بين حرية التعبير والضوابط الأخلاقية والمهنية.
- تحديات صناعة المحتوى في بيئة رقمية تتجاوز القوالب التقليدية.
هذه القضايا وغيرها كثير ليست هي مطالب فنية، بل هي ركائز لصناعة إعلام مسؤول وفعّال، قادر على قيادة الرأي العام السوداني نحو الإصلاح، وكشف الحقائق ، والدفاع عن القيم الوطنية.
إن التوقيت الذي جاءت فيه هذه الورشة يمنحها بعدًا سياسيًا ورسالة قيمية بالغة الوضوح أن الدولة،
رغم الحرب حاضرة و لم ترفع راية الغياب. بل إن استمرار النشاط المؤسسي والتشريعي يعكس إصرار الحكومة على تجاوز الأزمة والمضي نحو بناء سودان جديد لا على أنقاض الدمار بل على نمط المواكبة والحداثة .
لم يكن تعديل القانون إذًا، استجابة لضغوط أو تحيزاً لفئة ، إنما كان تعبيراً عن رؤية وطنية ناضجة وبُعد إستراتيجي بعيد المدى ، لنعي أن الإعلام هو شريك أساسي في معركة إعادة البناء والإعمار ، وأنه لا يمكننا النهوض من رماد الحرب إلا بتشريعات عصرية تخرج من أحشاء قانون شامل ، يحمي الكلمة ، ويضبط المسؤولية، ويحفّز الإبداع.
فهل نرى قريبًا قانونًا يليق بسودان ما بعد الحرب؟
الخطوة بدأت وعلينا جميعاً أن نكمل الطريق ونسارع الخطى نحو المستقبل الذي نريد .. بإرادة سودانية خالصة تخرج من بين فرث النضال و دم التضحيات خالصة لا ريب فيها ولا زيغ .. فشكرنا لوزارة الثقافة والإعلام..وزيراً ووكيلةً وعاملين ..Elhakeem.1973@gmail.com