أوردت وكالة “آسيوشيتد برس” الأمريكية اليوم الجمعة خبراََ مفاده أن “مسؤولين سودانيين رفضوا عرضاََ أمريكياََ بإعادة توطين فلسطينيين من غزة في السودان.
وبحسب الخبر الذي أوردته الوكالة فإن الولايات المتحدة وإسرائيل أجرت إتصالات مع مسؤولين في السودان والصومال وأرض الصومال ناقشتا فيها إمكانية إعادة توطين فلسطينيين من غزة في أراضي الدول الثلاث.
وقالت الوكالة أن المسؤلين السودانيين رفضوا المقترح الأمريكي بينما قالت أن المسؤولين في الصومال وأرض الصومال قالوا أنه ليس لهم علم بهذا المقترح.
وسواء صح الخبر بهذه الحيثيات التي أوردتها الوكالة أم لا، فإن موقف السودان حكومة وشعباً معروف وهو الرفض التام لأي مقترح أو مبادرة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم لأن ذلك يعني ببساطة تصفية القضية الفلسطينية وبالتالي تحقيق الهدف الصهيوني المتمثل في الاحتلال الكامل للأراضي الفلسطينية وتحقيق مشروع وأوهام بني صهيون في إقامة دولتهم الكبرى المزعومة التي لن تقف بحسب الأساطير اليهودية عند أرض فلسطين بل تمتد لتشمل دول عربية أخرى.
وقد عبر الرئيس البرهان عن هذا الموقف في اجتماعات القمة العربية التي إنعقدت مؤخراً بالقاهرة والتي أكد فيها رفض السودان لأي حل يفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأن السودان يؤيد المساعي الرامية إلى إعادة إعمار غزة دون تهجير لسكانها، مبيناََ أن السودان يدعم خيار الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على أرضه وإعتماد حل الدولتين بناءاََ على حدود 1967.
خطة التهجير هي في الأصل خطة إسرائيلية قديمة وليست جديدة، ولم تكن تجد أي قبول من الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي كانت تؤكد على ضرورة تطبيق حل الدولتين..
لكن إدارة ترامب في نسختها الثانية الأكثر تطرفاََ ولاعقلانية تبنت الخطة الإسرائيلية حيث بموجبها تسعى إدارة ترامب إلى إعادة توطين أكثر من مليوني فلسطيني هم سكان قطاع غزة في “مكان ما” بشكل “دائم”، على أن تأخذ الولايات المتحدة ملكية قطاع غزة وتشرف على ” تنظيفه” ومن ثم تطويره كمشروع عقاري وصفه الرئيس ترامب بالريفيرا!!
وهو مشروع تعارضه بصورة “علنية” كل الدول العربية، لكن لا أحد يعلم ما يدور في ما وراء الكواليس، وهو مشروع بدا وكأنه” هزلي” لكن يبدو أن إدارة ترامب تجد السير نحو تحقيقه ولن تدخر جهداََ في ذلك رغم المعارضة القوية له من قبل الفلسطينيين..
واشنطون وتل أبيب لن تستيئس من المضي نحو إنجاح المشروع بكل السبل، وستحاول مراراََ وتكراراََ، وقد تقدم في سبيل ذلك الإغراءات والحوافز، وتمارس الضغوط إذا لم تؤت الإغراءات أكلها وبطبيعة الحال لن تبارح هذه الإغراءات والضغوط (العصا والجزرة) مربع الحرب التي يخوضها السودان ضد ميليشيا آل دقلو وداعميها الإقليميين والدوليين.
لكن من المؤكد أنها لن تجدي نفعاً ولن تؤتي أكلها فقد تجاوز السودان مرحلة الإستجابة للضغوط أو قبول الإغراءات والمحفزات مقابل أن يبيع مواقفه أو يتنازل عن حقوقه صغرت أو كبرت.
فالسودان حكومة وشعباً ظل يقاتل قرابة العامين عدواََ يحمل نفس أهداف المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحتلالي، فمشروع ميليشيا آل دقلو هو طرد السودانيين من أرضهم وإعادة توطين عربان الشتات المنبوذين المنتشرين كالجراد في صحاري وفلوات أفريقيا بلا هويات في أرض السودان، نفس المشروع الصهيوني ونفس الأهداف التي أقامت عليها الصهيونية العالمية دولتها المسماة ” إسرائيل” في أرض فلسطين، حيث جمعت كل يهود الشتات المنبوذين في مجتمعاتهم شرقاََ وغرباََ وتوطينهم في أرض فلسطين.
ومن العجيب أن هناك الكثير من أوجه الشبه والقواسم المشتركة ما بين إسرائيل وميليشيا آل دقلو، في السلوك والممارسات وفي الأهداف، تجمع بينهما كل الصفات الرذيلة واللانسانية لحد التطابق..
الشعب السوداني الذي ذاق مرارة النزوح والتشريد واللجوء والخروج من دياره وفقدان الأقارب الأعزاء وفقدان الممتلكات والتعرض للإذلال والمهانة والقتل والتعذيب والتنكيل على أيدي عناصر ميليشيا آل دقلو، هذا الشعب لن يقبل أن يساهم في إنجاح مشروع مشابه لمشروع آل دقلو في حق شعب تجمعنا به أخوة الدين وآصرة الرحم والمصير المشترك، والحق الطبيعي في وجوده على أرضه وفي كنف دولة بإسمه يحيا فيها عزيزاََ مكرماََ، لا ذليلاََ مشرداََ شرقاََ وغرباََ.
إن الحرب التي يخوضها الشعب السوداني ضد ميليشيا آل دقلو هي حرب وجودية، وهي ذات الحرب التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي الغاشم لا فرق بينهما فالعدو واحد والقضية واحدة.
سينشط الوسطاء والسماسرة الإقليميين والدوليين بل والمحليين ممن باعوا ضمائرهم ورضوا بأن يكونوا أدوات في أيدي أعداء السودان، سينشطون للترويج، وتسويق هذه البضاعة البائرة..
لكن ثقتنا كبيرة في قيادتنا التي استطاعت ببراعة تجاوز كل الضغوط وكل الإغراءات للتنازل عن الحق الطبيعي للشعب السوداني في الحفاظ على وحدته وصون سيادته واستعادة كرامته طوال أشهر الحرب، أنها لن تستجيب لأي ضغوط لاحقة مهما كان ثقلها، ولا لأي إغراءات مهما كان بريقها ولمعانها، فالأوطان لا تباع ولا تشترى ولا يساوم فيها والكرامة لا تقوّم بمال.
ولعله من غرائب عُهْدة إدارة ترامب التي تأخذ كل واحدة منها بذيل الأخرى ولن تنقضي حتى تنقضي عُهْدتها، هي سوء قراءة هذه الإدارة للواقع الراهن في السودان، هذا الواقع الذي يعكس حالة فريدة من نوعها من التماسك والتلاحم والتواثق والوحدة ما بين الشعب وحكومته، ما شهدها تاريخ السودان من قبل بحيث أصبحت الحكومة ممثلة للشعب تأتمر بأمره وتؤدي واجبها وتقوم بمهامها تلبية لإرادة شعبها وبناءاََ على ما يريده وهو عين التمثيل الحقيقي إذ لا تشوبه نقيصة مما تشوب أنظمة الغرب التي تقوم في غالبها على مفهوم الغَلَبة بمعادلة (1+50).
لم تدرك إدارة ترامب بعد أن الحكومة في السودان يشغل مفاصل السلطة فيها وعلى قمة هرمها رجال شجعان، وقادة عظام، أمناء على البلد لم تتلطخ أيديهم برشاوي، ولم تدخل جيوبهم أموال السحت والعمالة والارتزاق والارتهان للأجنبي كما حدث ويحدث في دول أخرى، هم رجال دولة بحق لا تذل أعناقهم لا تخطف أبصارهم بوارق الذهب والفضة، ولا يهنوا لما أصابهم، ولا تخيفهم رعود التهديد والوعيد مهما تعالت أصواتها.
فلتبحث الصهيونية عن ضالتها في مكان آخر غير السودان، فهذا البلد الطيب لن يكون جزءاً من المؤامرة.