خُلِقَ القلمُ ليكتب كل شيء، بأمر من الخالق، فارتعش خوفًا من عظمة سيد الكون، وإلى يومنا هذا يئن وجعًا من ظلم البشر وهو يدوّن كل شيء.
هنا، الكل لديه أخطاء يتمنى أن تُمحى وتختفي إلى الأبد.
يخطّون في حياتهم كما يُخطّ الوحي في الرق، ويتمنّون ممحاةً تمحو هفواتهم، كي يكون سجلّهم نقيًا بلا تدنيس، فتُحلّ المعادلات بطريقة صحيحة، ويُقدَّم الجواب بامتياز، في انتظار الحصول على تقدير: جيد، جيد جدًا، ممتاز.
غارقون في تصحيح المسألة، حتى لو لجأوا إلى الغش، أو الاستعانة بصديق، وكل ذلك في سبيل نيل تلك العلامة والكلمات.
وفي زحمة هوس الوصول إلى النجاح، نُهمل الدرس، وصحة الحل، وفائدة الإجابة، والغرض منها، وما استفدناه من التجربة.
سنوات طويلة ونحن ندّعي أننا نتعلم، لكننا في الحقيقة لا نعلم شيئًا. تُقدَّم الحلول على طبق من ذهب، من جهد الآخرين، فنمضي قُدمًا وندّعي المعرفة، بينما لا يملأ عقولنا سوى الجهل.
وفي لمح البصر، يتقلّد الجهلاء مناصب مهمة جدًا، ويتفشّى طاعون الجهل حتى يتحكم في مصير أمة كاملة.
والآن، حربٌ وسعيرٌ يحرقنا جميعًا، وما زلنا لم نفهم الدرس بعد، ما المقصود من صراع العروش؟
ممالك تُهدم، عزائم تُسحق، خائنٌ يُتوّج، ووضيعٌ يُنصَّب حاكمًا، وقائدٌ يظفر بنصرٍ لا ناقة له فيه ولا بعير.
إنها الغميضة، وفي النهاية لا خاسر سوى شعبٍ مغلوب، أو يظن أنه مغلوب على أمره.
هذا حال وطني، وحال الجميع أيضًا.
الكل يُساق إلى درسٍ معيّن.
الكل يتعلم الدرس بطريقةٍ ما، لكننا لا نقول كخلع الضرس، بل فقدنا كل الأسنان.
الزيف، الخداع، المصالح، هي ما يبقيك على قيد الحياة.
وعند انتهاء حرب المماليك وصراع العروش، اكتب لي أيها المواطن المهزوم:
ما أحلامك؟ وما خططك للمستقبل؟
وهل لديك الحق في مستقبل؟
وهل مسموح لك أن تحلم بمستقبل؟
انزع القناع الذي ترتديه، ومرحبًا بك في واقع يجب أن تدرك فيه جيدًا أن قلم الرصاص لن يكتب لكي تمحو وتكتب من جديد؛
القلم الذي يكتب الآن قلمٌ شبع بدماء أمة كاملة، والدماء لا تختفي!
التاريخ قد كُتب، والممحاة لن تمحو لك شيئًا.
لن تصحّح أخطاءك، لن تجد من يُقدّم الأجوبة عوضًا عنك لتحصل على علامة الامتياز.
صحّح ما بداخلك، أيقن أنك على خطأ، تقدم من جديد، وتعلّم، فليس المرء يولد عالمًا.
لأن الشعوب لا تُعمّر والجهلُ سيدها.
تقبّل الآخر دون أن تُصدر الحكم، فمن منا يعلم الغيب، ومن منا يتكهن إن كان كاهنًا؟
الأمر لله عز وجل.
لن يجف حبر القلم عن الكتابة، سيكتب ويؤرّخ التاريخ كل الفظائع التي تحدث الآن، والخوف والجوع يملآن القلوب، ويرويان لسان الحال.
عندما تنتهي الحرب ونعود إلى منازلنا،
اعلم أن لا عودة قبل أن تجعل جثامين الراحلين طريقًا معبّدًا إلى منزلك، لا بيت، لا دار، لا جار، لا شارع، لا زاوية، لا ذكريات ستعود كما كانت في السابق!
كُسِر شيءٌ في الداخل، ولن يعود كما كان، فُصّلت الحرب من أجل هدفٍ واحد: أن تُحصر أحلامك داخل مصباح علاء الدين السحري، وثلاث أمنيات:
أمنٌ وأمان، لقمة العيش الكريمة، وستر الله، والمشي قرب الحيطان.
لن تتظاهر، لن تحلم، لن تطالب، لن تثور ضد الظلم والطغيان، ستقبل وتوقع وثيقة إعدامك، وعلى وجهك ابتسامةٌ عريضة، بلهاء، مشبعة بالخوف والحسرة.
سترضى بأن يعود شارع منزلك بأبسط ما يكون، ولن تطالب بأكثر من هذا، وما زالت تلك الابتسامة البلهاء على وجهك، بينما الكل يقطع، والكل يظلم، والقلم يكتب، ولا شيء يُمحى، لأن الدماء تطالب بالقصاص.
الحق مطلب.
والعدل حق.
والظلم دائرة تدور.
وهنا، الحرب لا تتوقف على الجيوش، بل حربٌ طاحنة تشهدها النفوس!
{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}
سلام وأمان، فالعدل ميزان.