الأحد, مارس 16, 2025

“أنفال” الحكم الإنتقالي مابين مطرقة الأطماع وسندان الدستور.. بقلم : بدرالدين عبدالرحمن “ودإبراهيم”

تعتبر فترات الحكم الإنتقالي أداة لتسيير المهام التنفيذية والإدارية للدولة الى حين إجراء إنتخابات رئاسة الجمهورية والبرلمان.
وليس من مهام الفترة الإنتقالية إجراء أي تعديل للدستور أو القوانين أو اللوائح،لأنها غير مفوضة إنتخابيا.
الفترة الإنتقالية أداة حكم تستمد شرعيتها من إنحياز القوات المسلحة لإرادة الشعب ،بوصف الجيش القائم الأول على إدارة شأن الأمن القومي-وفقا لدستور العام ٢٠٠٥- حال حدوث مهددات داخلية أو خارجية، أو حال حدوث موجبات تغيير داخليةكما سارت عليه الأوضاع إبان جدليات العام ٢٠١٩.
من المسلمات أن الفترة الإنتقالية ليس من مهامها -البتة-إجراء حوار سياسي مع أي مجموعة سياسية كيفما كان التوجه والفكر،كما أنه من المحددات التى ينبغي عدم تجاوزها هو توقيع إتفاق سياسي مع فئة دون الأخري،لأن ذلك يكون سببا للصراع والتجاذب والتناطح والتشاكس الذي يدفع ثمنه المواطن السوداني.
أيضا ليس من مهام الفترة الإنتقالية التوقيع على أي إتفاقات إقليمية ودولية،لأن ذلك من صميم مهام البرلمان، الذي يحدد شكل السياسات الخارجية والمحاور التى ينبغي الإنضمام إليها والمحاور التى ينبغي مقاطعتها أو مهادنتها وفقا للمصلحة القومية العليا للسودان.
بصورة عامة كان يجب على الفترة الإنتقالية المحافظة على الشكل السياسي والتنفيذي والإداري والمالي والدبلوماسي للدولة عقب إزاحة الرئيس البشير لفترة لاتتجاوز العام ،ومن ثم إجراء إنتخابات رئاسية.
تجاوزت الفترة الإنتقالية في السودان كل الدساتير والقوانين والأعراف حتى،تجاوز من حيث المدة الزمنية ومن حيث المهام والصلاحيات،وهو أحد أهم وأبرز الأسباب التى ساهمت في مانحن فيه ،من دوامة قائمة على التردي والفشل والتأخر والمكوث طويلا في صف تقدم الدول كما نري ونسمع!.
غيبت الفترة الإنتقالية في السودان عن -عمد وترصد- مؤسسة رئاسة الجمهورية والمجلس الوطني ومجلس الولايات(البرلمان)،وغيبت المؤسسة الأهم على الإطلاق وهي “المحكمة الدستورية” التى وإن كانت موجودة لقامت بإلغاء كل المخالفات الدستورية والقانونية والإدارية والسياسية التي جري تحت مسمي وثيقة -القحط والجدب- التى رعتها “الحرية والتغيير”المشؤومة و”الدعم السريع” الذي أورد البلد مورد الهلاك ،عندما طمع في الحكم المباشر والمنفرد للسودان بإيعاز ودعم ومساندة خارجية من امارات الشر وغيرها.
الأخطاء الدستورية والقانونية التى وقعت فيها الفترة الإنتقالية،أخطاء جسيمة وتنم إما عن -جهل- وهذا لايعفي صاحبه من المسؤولية،أو عن -سوء قصد- وهذا يجب أن يقدم لمحاكمة عادلة كونه قام بتفصيل الدستور والقانون لأجل مصلحه ذاتية أفق مسدود.
ويبقي الخطأ الأبرز هنا ،هو تجاوز السلطة التأسيسية للدستور،من الذي فوض الفترة الإنتقالية لوضع وثيقة دستورية بإسم الشعب السوداني؟هل كان ذلك التفويض عن طريق “برلمان” قومي ومنتخب له سلطة وضع وإجازة الدساتير والقوانين؟هل كان تفويض وضع الوثيقة الدستورية عن طريق الإستفتاء خاصة وأن الوثيقة قضية مصيريةو محورية؟
الحقيقة البائنة كما الشمس في رابعة النهار أن الوثيقة الدستورية الحالية لم تتبع الطرق المعروفة لوضع الدستور ،وأهمها:
-تشكيل لجنة من خبراء القانون الدستوري في السودان،لجنة محايدة ومهنية،ويكون قرار التشكيل منشور ومعروف للكافة.
-قيام اللجنة العدلية والقانونية بالبرلمان بمهامها المرتبطة بوضع المسودات للدساتير والقوانين واللوائح.
-عرض المسودة بعد أعدادها على مجلس الوزراء.واعتبار ذلك مرحلة عرض أول.
-عرض المسودة على البرلمان القومي المنتخب،والذي يناقش المسودة على ثلاث مراحل.
-تكوين مفوضية خاصة بالدستور.
-إقامة الندوات والورش والسمنارات والبرامج التلفزيونية والإذاعية لتناول مسودة الدستور “شرحا وتنقيحا وتحليلا وحذفا وإضافة”.
كل تلك الخطوات تجاوزتها وثيقة الفترة الإنتقالية الحالية التى صمت الناس عنها ،إنحاءا لعاصفة كان يجب أن تمر حتى لا يتم هتك ستر الأمن القومي السوداني ومن ثم الإضرار بالدولة ومرافقها ومواطنها وخدماتها.
أما وقد حدث ماكان صمت الناس له،فأن السؤال المحوري الذي يتبادر للذهن الآن،ماالداع للتمسك بوثيقة دستورية مهترئة وبالية وأساسها ومركزها القانوني ضعيف(شرعية ثورية تمثل فئة محددة لاتعبر عن صوت الاغلبية)؟.وهذا الجانب يؤكد إنعدام سلطة التأسيس للدستور القومي.
وإن كان لابد للعمل بها لتجاوز مطب الشرعية نظرا لظرف الحرب الحالي،من الذي فوض السلطات الحالية بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية؟ ليقل أحدهم أن التعديل تم للمحافظة على الشكل العام للدولة في هذا الظرف المعقد،هذا أمر جيد.
لكن يتبادر الى الذهن السؤال الأكثر إلحاحا،لماذا لم تنشر التعديلات التى تمت على الوثيقة الدستورية ليطلع عليها الكافة؟!
وإن كان هناك ثمة حوجات قانونية لتعديل الوثيقة،ماهى الحوجة الملحه لإجراء تعديل على قانون الإجراءات الجنائية وماهي المواد التى تم تعديلها،ومن الذي قام بالتعديل؟أم هو تعديل قانوني لخدمة أجندة أخري،كما حاولت “قحط وتقدم”العبث بمسلمات ديننا الحنيف حينما ركزت جل جهدها لإجراء تعديلات متسخه لقانون الأحوال الشخصية للمسلمين؟!.
هل قامت التعديلات التى تمت على الوثيقة بثبيت أن الدين الأسلامي هو الدين الأساس للدولة؟هل طال التعديل قضية البسمله واللغة العربية؟أمازال مجلس السيادة يطأطئ رأسه خوفا من حملات اليهود والنصاري في هذا الشأن؟
خلاصة القول،إن الأخطاء الدستورية والقانونيه في إزدياد مستمر،وأن الاطماع في إستمرار الحكم الإنتقالي كيفما إتفق والمصلحة الشخصية أضحت ممتدة ومتشعبه.
وهي أطماع ستزيد من سوء الأحوال،خاصة وأن الاغلب إن لم يكن الكل مشغول بتغليب المصالح الضيقة التى أقعدت البلد ومازالت.
رسالتي لمجلس السيادة “الموقر”،نحن نقف مع القوات المسلحة وكل القوات المساندة لها لأجل حسم حرب الكرامة،ونقف مع قادة الدولة الآن لأجل أن يتم الخروج من هذا النفق المظلم،لكن لايعني هذا بأي حال من الأحوال أن نعطي “الفريق البرهان” وأركان حربه “المحترمين” -شيكا على بياض-كي يفعلوا في أمر الدستور والحكم مايشاؤون،هذا لن يكون.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات