الثلاثاء, مارس 11, 2025
الرئيسيةمقالاتالإسلاميين.. أرضاً زعل. ...

الإسلاميين.. أرضاً زعل. الركابي حسن يعقوب.

بالأمس شهد الطقس السياسي ارتفاع في درجات الحرارة نتيجة تعرضه (لمنخفض جوي) بسبب خطاب البرهان أمام طائفة من قوى سياسية ومجتمعية كانت قد اجتمعت لوضع ملامح خارطة سياسية للاستهداء بها في ما هو قادم بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ارتفاع درجة حرارة الطقس السياسي حدث بسبب جزئية خاصة بالاسلاميين وردت في حديث البرهان وهي ليست المرة الأولى – على أية حال – التي يتناول فيها البرهان الإسلاميين ولا أظنها ستكون المرة الأخيرة، طالما ظل الإسلاميين محلياََ واقليمياََ ودولياََ في بؤرة الإهتمام من دوائر الفعل في كل هذه المستويات الثلاث.

والسياسة الدولية في الوقت الراهن لم تعد كما كانت عليه في سابق العهود قصراََ على نطاق الجغرافيا التي تدور فيها الأحداث والصراعات، وإنما تعدى أثرها إلى كل أنحاء العالم، وأصبحت هناك حالة من الإعتماد المتبادل ،والتأثير المتبادل مابين الأحداث. وتداخلت العلاقة ما بين ما هو داخلي و ما هو محلي.

ولا أجاوز الحقيقة إن قلت إن دخول الإسلاميين (على الصعيد الدولي) في بؤرة دائرة الإهتمام الدولي بهذه الصورة التي يشهدها العالم اليوم بدأت بشكل جدي منتصف ثمانينيات القرن الماضي مع بروز وتعاظم دور الإسلاميين في السودان من خلال الموقع المتقدم الذي أحرزوه في انتخابات 1986 وتنامي دورهم في الساحة السياسية السودانية وبلغ هذا الدور ذروته غداة وصولهم للسلطة في يونيو 1989، وتفاعلهم طوال فترة حكمهم مع أحداث ومجريات المحيط الإقليمي للسودان وانخراطهم الواضح في الشأن الدولي مما أحدث كثير من التقاطعات وجذب إنتباه القوى الدولية المهيمنة على مقاليد السياسة الدولية لهذا اللاعب الجديد..

فكان هذا اللاعب محط نظر هذه القوى التي فشلت في ترويضه ، ومن ثم عملت على إزاحته حتى نجحت في ذلك في العام 2019 على النحو المعروف.

هذه الخلفية المختصرة ضرورية جداً لفهم ما قاله البرهان بالأمس، ولا أرى في ما قاله بأس يدعو إلى كل هذه الزوبعة التي أثيرت حول حديثه الخاص بالاسلاميين، بمعنى أن رد الفعل على حديثه لا يتناسب مع المحتوى والمضمون الذي انطوى عليه.

حديث البرهان ككل اشتمل على موضوعات يمكن تصنيفها إلى صنفين إثنين ، الأول يقع في نطاق (الثابت) أو الاستراتيجي، والآخر يقع في نطاق (المتحرك)، أو التكتيكي.

وفي رأيي أن الجزئية الخاصة بالإسلاميين تقع كلها بقضها وقضيضها في نطاق المتحرك (التكتيكي)، وهو نطاق مرن يمكن تقبله وفهمه وهضمه ويمكن الأخذ والرد فيه فهو مساحة واسعة للمناورة والحركة والكسب. على عكس الثابت والاستراتيجي الذي لا يقبل المساومة ولا الحلول الوسط ولا يوفر مساحة للاخذ والرد.

فإذا جردنا حديث البرهان – ولعبة السياسة تقتضي ذلك – من بعض ما علق بحديثه من لغة جسد ومن بعض الكلمات التي هي نتاج التداعي المباشر اللحظي ، نجد أن ما قاله يتطابق تماماً مع رؤى واتجاهات وتفضيلات الإسلاميين في وجهها الاستراتيجي الثابت في ثلاث نقاط رئيسية.

كيف وما هي هذه النقاط ..؟!!

الإسلاميين أكدوا مراراََ وتكراراََ وما يزالون يؤكدون أنهم لن يشاركوا في الحكم في الفترة الإنتقالية بأي صورة من صور المشاركة وأن موعدهم ليس الفترة الإنتقالية، وإنما موعدهم عند الإنتخابات ، وهذا التأكيد صدر منهم منذ السنة الأولى التي تلت التغيير وظلوا على ذلك حتى اشتعلت الحرب فكانوا أول من نفروا خفافاََ وثقالاََ مؤكدين أن نفرتهم لله والوطن وليس من أجل السلطة والحكم، وقد صدقوا في ذلك وساحات المعارك تشهد لهم بذلك.

والبرهان أكد على هذا المنحى بقوله أنه لا مجال لمشاركة المؤتمر الوطني في الحكم في الفترة الإنتقالية، وإنما الفرصة متاحة له في الإنتخابات ليتنافس مع القوى السياسية الأخرى وهو حديث في جوهره متطابق تماماً مع توجه المؤتمر الوطني ، وهذه هي النقطة الأولى..

والنقطة الثانية ، تعلقت ب (قحت/تقدم) حيث أكد البرهان بكلمات واضحة قاطعة وجهها لهم أنهم لن يعودوا مرة أخرى (ما عندكم فرصة تجوا راجعين تاني) وزاد على ذلك بأنهم هم من هدم السودان وقتّل السودانيين وساند التمرد وقال لهم أنتم والتمرد سواء وأنتم أعداء، وأكد أن الجيش لن يوقف الحرب، إلا بعد خروج المتمردين من بيوت الناس والأعيان المدنية وسماهم بالغزاة والقتلة المأجورين ،وأنه لا يمكن وقف الحرب لإعطاء هؤلاء القتلة المعتدين مكاسب، وأنه لا مهادنة مع ميليشيا التمرد.

وهذا متطابق مع رؤية الإسلاميين ويلبي مطالبهم ويوافق وجهة نظرهم بعدم إشراك قحت/ تقدم في أي عمل سياسي لا في الراهن الانتقالي ولا في مستقبل الحياة السياسية في السودان.

النقطة الثالثة والأخيرة تأكيد البرهان على استقلالية الحكومة الإنتقالية، وهي مسألة ظلت مثار قلق بالنسبة للاسلاميين، حيث أكد البرهان على عزمه تشكيل حكومة تكنوقراط من شخصيات مستقلة غير حزبية ، وهو ما يريده الاسلاميون لتفادي أية ظلال سياسية قد يترتب عليها تعيين شخصيات ذات ارتباط حزبي من خصومهم السياسيين مما سيؤثر على مستقبلهم السياسي سلباََ ويحول بينهم وبين تصدر المشهد السياسي ما بعد فترة الإنتقال والتي تشير كل الدلائل على أنه سيكون لهم فيه شأن كبير.

إن القراءة الهادئة المتأنية والعميقة للأحداث والخالية من الانفعال والتعجل ، والتحليل العلمي الواقعي غير الرغائبي ، والتفكير خارج الصندوق ، والإدراك الحقيقي للذات كل أولئك كفيل بالوصول إلى نتائج صحيحة وحقيقية، وهي بدورها تقود إلى بلوغ الأهداف والغايات.

وإنما أهلك ميليشيا آل دقلو وقحت وتقدم تهورهم وقراءاتهم السطحية للواقع وتفكيرهم الرغائبي وتعجلهم ، مما أوردهم مورد الهلاك والإنهزام المر، والسعيد من اعتبر بغيره.

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات