الخميس, مارس 13, 2025
الرئيسيةمقالاتما هي حقيقة موقف جوبا من الحرب في السودان. ...

ما هي حقيقة موقف جوبا من الحرب في السودان. الركابي حسن يعقوب

تعجبني جداََ صراحة مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ياسر العطا، ولا أجد قط في نفسي تحفظاََ على ما يقوله بشأن الحرب ومواقف الدول المختلفة منها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

وهذا الإعجاب والتأييد لما يقوله العطا ليس مجرد شعور عاطفي أو وجداني، ولا بدافع الشعور والولاء الوطني والانتماء لتراب هذا الوطن العزيز فحسب ، بل هو نابع أيضاً من كون أن هذا الرجل هو الأكثر إدراكاََ لحجم المؤامرة التي تحاك ضد السودان، وقد ظل لصيقاََ وملماََ ومعايشاََ لوقائع واحداث ويوميات الحرب من واقع مسؤوليته في قيادة العمليات في قطاع منطقة ام درمان العسكرية التي حقق فيها نجاحاً منقطع النظير، بجانب كونه عضواََ بمجلس السيادة فجعله ذلك ملماََ بتفاصيل كثيرة محلية واقليمية ودولية.

صراحة ياسر العطا وتصريحاته الواضحة والمباشرة بخصوص مواقف الدول من الحرب ، تعكس وعياََ رفيعاََ بمجريات الأحداث عالمياََ وإدراكاََ تاماََ لما يدور على خشبة مسرح السياسة الدولية وما يدور خلف كواليسها.

ولعل أهم سمة من سمات السياسة الدولية الراهنة هي أنها أصبحت لعبة تدار فيها المصالح على المكشوف، وأن سمة السرية التي ظلت ملازمة لها لعقود ما عادت حاضرة ولا قيمة لها.

فبالأمس أطلق ياسر العطا تصريحات (نارية) كان فيها واضحاََ وصريحاََ وعقلانياََ، قفز بها فوق حواجز الدبلوماسية التقليدية التي بدأت تفقد صلاحيتها مع التحولات الكبيرة في حركة واتجاه السياسة الدولية.

قال ياسر العطا أن 65٪ من قوة ميليشيا الدعم السريع المتبقية هي من أبناء دولة جنوب السودان، وأن 25٪ منها من دول ليبيا وتشاد وأثيوبيا وسوريا.

قالها ياسر العطا هكذا بكل وضوح دون مداراة وكان في مقدوره أن يلمح ويكني ويستعير من قاموس الدبلوماسية ما يشاء من عبارات معلبة جاهزة للاستخدام تؤدي نفس الغرض. لكنه آثر أن يسمي الأشياء بمسمياتها.

وهذا في اعتقادي مربك للدول المذكورة التي ظلت تحتمي بحواجز وجدر الدبلوماسية، لتتقي بها ردود الفعل غير المرغوبة بالنسبة لها. فعندما يكون قوام قوات ميليشيا الدعم السريع من المكون الأجنبي بنسبة 90٪، وأن 5٪ فقط هم من الجنجويد بحسب ياسر العطا، فإن هذا الأمر يعتبر عدواناََ خارجياََ بامتياز ولا يمكن حصره فقط في أنه تمرد داخلي أو كما يروج له في دوائر غربية وأفريقية أنها حرب (بين جنرالين) .

نعم بدأت الحرب بتمرد ميليشيا الدعم السريع على الدولة بغرض الاستيلاء على الحكم، واستطاع الجيش والقوات المتحالفة معه كسر القوة الصلبة لهذه الميليشيا والقضاء المبرم عليها. وما تبقى الآن هم مرتزقة من رعايا دول أفريقية وعربية مع قليل من قوات ميليشيا الدعم السريع.

وهذا الوضع يضع السودان في مواجهة مباشرة مع حكومات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المرتزقة وعلى رأسها دولة جنوب السودان، وهذا حق أصيل للسودان لا يمكن إنكاره أو الدفع بعدم المسؤولية عنه تحت ذريعة أن تصرفهم فردي ولا صلة لحكومات هذه الدول به.

وحسناََ فعل ياسر العطا بالكشف عن اتصالات جرت مع المسؤولين بدولة جنوب السودان منذ بداية الحرب واستمرت طوال أشهرها وإبلاغهم بوجود رعايا لهم يقاتلون كمرتزقة في صفوف ميليشيا الدعم السريع.

كانت هذه خطوة صحيحة من جانب السودان، لكن وبحسب ياسر العطا لم تحرك حكومة جنوب السودان ساكناََ، ولم تستجيب بأي صورة من الصور.

وهو ما يثير الشكوك حول الموقف الحقيقي لحكومة جنوب السودان من الحرب في السودان، وتأتي الاعتداءات العنيفة والمنظمة على أعضاء الجالية السودانية بجنوب السودان هذه الأيام والموقف المتثاقل والمتراخي والبطيء من جانب السلطات الجنوبية نحو القيام بمسؤوليتها تجاههم وتوفير الحماية لهم، تأتي لتضيف مزيد من الشكوك حول حقيقة موقف حكومة جنوب السودان من الحرب في السودان، وما إن كانت في طريقها للإنضمام إلى نادي دول الضد أو هي بالفعل قد أخذت مكانها في هذا النادي.

لا بد للسودان أن يتخذ خطوات أكثر وضوحاََ وفاعلية تجاه جنوب السودان إنطلاقاََ من حقه المكفول بموجب كل القوانين والأعراف الدولية في حماية أرضه ومواطنيه وصون سيادته بالوسائل التي يرى أنها تحفظ له هذه الحقوق.

إن مباديء حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية تحتم على حكومة جنوب السودان أن تخطو خطوات واضحة لتأكيد مراعاتها لهذه المباديء في علاقتها مع السودان، وهي لم تفعل ذلك حتى الآن.

لذلك على الحكومة السودانية أن تتحرك بما تفرضه عليها مسؤوليتها وواجبها في الإتجاه الذي يؤدي إلى حمل جنوب السودان للالتزام بمراعاة مباديء حسن الجوار وخصوصية العلاقات التي تجمع بين البلدين والروابط التاريخية التي تربط بين الشعبين.

يجب ألا ندس رؤوسنا في الرمال بينما الآخرين يوجهون إلينا الطعنات، والركلات ولا يرقبون فينا إلاََ ولا ذمة، عالم اليوم لا يؤمن إلا بالقوة، عالم الحياة فيه أشبه بحياة الغابة، وقانونه السائد هو قانون الغابة حيث القوي يفترس الضعيف، وحيث لا يؤبه بالضعيف ولا يهاب فيه إلا القوي.

هناك العديد من الوسائل التي تمثل أوراق ضغط في يد السودان بإمكانه استخدامها للحيلولة دون إنتهاك سيادته والتدخل في شأنه الداخلي والحفاظ على سلامة أراضيه ودفع العدوان عنه، ليس هنا مجال ذكرها فهي معلومة ولا تحتاج إلى تفصيل.

نرجو ونأمل أن تكون زيارة الفريق أول شمس الدين كباشي لجوبا هي أولى الخطوات في إتجاه تبني نهج جديد في إطار العلاقة الثنائية مع جوبا، نهج يقوم على الوضوح والبراغماتية بعيداََ عن العواطف والضبابية والمجاملة التي لازمت مسيرة هذه العلاقة منذ الانفصال.

السودان الآن في مفترق طرق، أن يكون أو لا يكون، ووحدته وأمنه القومي في المحك، وهذا يلقي عبئاََ كبيراً على صناع القرار مما لا تجدي معه المجاملات والطبطبة وترديد (محفوظات و أناشيد) عفى عليها الزمن وما عاد أحد يراعيها أو يقدرها حق قدرها، وكما قال البرهان إن محددات علاقات السودان الخارجية ستكون تبعاََ لمواقف الدول من الحرب التي يخوضها السودان الآن.

ينبغي أن يكون هذا هو مقياس رسم السياسة الخارجية للسودان الآن وفي المستقبل، ولا عودة مرة أخرى لما قبل 15 أبريل 2023، لا بد من التعلم من درس الحرب وأخذ العبر وتصحيح المسار ولا نكون مثل ملوك آل بوربون لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات