تجاوزوا الشهر والنصف في معتقل الدعم السريع قبل إعلان إطلاق سراحهم في الأول من شهر ديسمبر الحالي، وما كان المأسورين ضباطاً عسكريين، أو من ذوي أهواء السلطة، أوالانتماءات السياسية، أومن الرأسماليين الكبار، إنهم ليسوا كذلك، وإنما هم مجرد من العوام تم الزج بهم مع أخرين في معتقل الدعم السريع.
وهم: والدي العزيز “سليمان طاهر شعيب” يمتهن الحلاقة في سوق المواشي بالفاشر، وعمي”عثمان الطاهر أحمد” يعمل ترزياً، وأخي إسماعيل محمد صالح، والأعمام، محمد زكريا يونس، وخضر صالح عبدالعزيز، وعبدالله إبراهيم سليمان، وابنه محمد، الذي يعاني من بعض الاضطرابات النفسية، جميعهم ليس لهم إرتباطات بالعمل العام للدولة السودانية، فتم أسرهم في بيوتهم، ولم تشفع لهم حتى أعمارهم المتقدمة أوتسترحمهم الحالات النفسية لبعضهم.
في السادس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي-أثناء معركة دارت بين الجيش السوداني والدعم السريع في الفاشر؛ إقتحمت عناصر تتبع للأخير منازلهم وإقتادتهم إلى معتقل شرق المدينة، دون ذنب جنوه سوى أنهم مواطنون عزل يعيشون في منازل متواضعة مبنية من الطين اللبن أو”الجالوص”.
وبناء على التصنيفات والمعايير المفصلة ضمنياً والمطبقة عملياً، فإن أولئك النفر الكريم يقعون تحت المجتمعات المهمشة سياسياً وإقتصادياً، فتوفير الحماية لهم كان أولى بهم- كما تقول قيادات الدعم السريع في الميديا- بدلاً عن زجهم في المعتقل.
فللمعلومية دون سواها، طيلة تاريخ السودانة لم يتبوأ أحد من أفراد مكون “الهوسا” بشمال دارفور خاصةً منصباً دستورياً على المستوى المحلي أوالولائي، أوالاتحادي، تنفيذياً كان، أم تشريعياً، وعلى الرغم من المظالم الواقعة على هذه الشريحة المهمة في المجتمع السوداني لم يشهروا يوماً سلاحاً في وجه طواغيت الحكومات تطالبها بتحقيق العدالة الاجتماعية، وإزالة الفوارق التنموية والإقتصادية لفئاتها، كحال الكثير من الفئات المجتمعية، ومع ذلك فهم زاهدين عن السلطة وأغنياء عن الوزارة، وليس بذلك جبناً وخوفاً من المواجهة، بل هو موازنة مآلات الكوارث والمنافع للوضعية المستقبلية للدولة كما هو ماثل ومشاهد اليوم أمام ناظريه.
مشروع بناء الدولة السودانية وتأسيسها على متانة العدالة المتساوية بين مواطنيها لايتحقق بسفك دماء المواطنين الأبرياء، ولا بأسرهم والتنكيل بهم، وتدمير البنية التحتية العامة والخاصة، وتشريد أهلها الفقراء منها، وإفقار أثرياءها ليتساوا جميعاً تحت رحمة مخيمات الذل والإهانة؛ بل يتحقق ذلك بمحاربة التجارب الخاطئة بالوعي المتقدم، والفكر الناجح، في أسلوب ممارسة الإدارة والحكم، ومكافحة أشكال التمييز العنصري التي ترفع وتبجل فئات وتحط من قدر الأخريات، فهذه الشعور المدمر ينبغي إزالتها بالبناء المتين للدولة على أسس سالمة بأخذ نماذج فعَّالة من الدول التي نهضت بعد كبوتها، وهذه قد تكون وصفة ناجحة لتجنب إعادة تدوير مخلفات الماضي التي أنتجت لنا حمام الدماء، وتمزيق العائلات شر ممزق، وزج أفرادها في المعتقلات حيث المهانة والإذلال.
وفي السطور الأواخر، حمداً وشكراً لله الواحد الصمد، على إعادة شملنا مع والدنا وأعمامنا، ولانقول سوى إن هذه البلية الربانية عساها أن تكون خيراً وسلاماً لنا، فالحمد والشكر لله.