الذين نزحوا إلى مدينة حلفا الجديدة وقراها ، لا تجد فيهم من لم يبكي عزيراً فقده ، فمن يعزي من ، فجرحهم عميق وفقدهم عظيم ، تهون مصائب بعض الأسر عندما تتفقد أخرى ، ويحكون عن مرارة الموت ، بقلوب مكلومة وأعين تفيض دمع ، كيف أن الأوباش قتلوا رجالهم ، شبابهم وشيبهم أمام اعينهم ، ولدرجة الغبن المتعطش لإهدار الدم ، بدافع الإنتقام.في قريتنا التي نزح إليها قرابة الألفي نسمة ، منهم من نزل عند أهله ، ومنهم من جاء يبحث عن مأوى ، لم يبخل الأهالي ففتحوا لهم المنازل ، وأخلوا لهم الأسر الصغيرة ، ومنازل المغتربيين ، ومنهم من تقاسم معهم الدار ، وأستجلب الخيام لتوسيع السكن ، نساء يعلو وجوههن الألم ، أطفال عيونهم تنبئك عن هول مامروا به.زوجة تحكي كيف غدر الدعامة ، بزوجها مريض الكلى عندما اقتحموا منزلهم ، وطلبوا المال والحُلي ، تحكي والدموع تبلل خدها ، عندما أخبرتهم أن لا مال ولا حُلي عندها ، فكل مالدينا انفقناه ، لعلاج زوجي مريض الكلى الذي امامكم ، فما كان من أحدهم ، سوى أن قال للآخر طخوا ، فصوب بندقيته وقتله ، ثم إلتفت إليها منتظرة شنو ، وامرها بالخروج ، وهي تحمل طفلاً وحُبلى بآخر ، أجهضته في طريق النزوح ، وهي لا تدري إن قُبِر زوجها ، أم مازال غارقاً في دمائه بالبيت.أسرة حلت ضيفة على زوج ابنتهم ، بعد ستة أيام من المسير على الأقدام ، فقضى الله امره في إثنين من عمات الزوجة ، حال وصولهن ، ولم يُكمل العزاء يومه الثالث ، فإذا بالناعي يحمل لها خبر إستشهاد شقيقها ، علي يد الدعامة مغدوراً ، وقد سبقه آخر قبل شهرين ، فمن هول الصدمة أسملت الزوجة روحها لبارئها ، في كل يوم وكل ليلة ، تتعالى أصوات الصراخ والعويل ، فتأتيك الإجابة أن النازحين الذين نزلوا ضيوفاً في بيت فلان ، قد فقدوا عزيزاً أو عزيزة ، في قريتي التي نزح إليها أهلنا من بعض قرى شرق الجزيرة ، رائحة الموت تنبعث من كل فج ، فمن يعزي من ومن يواسي من.كل هذه الجرائم الذي يرتكبها أوباش ومرتزقة الدعم السريع ، بحق مواطني الجزيرة والسودان بصفة عامة ، يُسأل عنها قياداتهم في الجناح العسكري للمليشيا ، والجناح السياسي الذي تمثله تقدم ، كل قطرة دم سالت وكل روح قتلت بلا ذنب ، يجب أن يحاسب عليها هؤلاء ، على الجهات المسؤولة وعلى أولياء الدم ، أن يدونو بلاغات جنائية ، تحت بند القتل العمد ، والتعذيب والتهجير ، في مواجهة قيادات الحرية والتغيير ، من لدن حمدوك وإلى أصغر كادر في تنسيقيتهم ، بلاغات في مواجهة قيادات المليشيا ، من هالكهم إلى أدنى رتبة ، تتحكم في صرف التعليمات للمرتزقة ، الذين يقتلون المواطنيين بلا رحمة. قيادة الدولة السودانية ، عسكرية وتنفيذية ، عليها إغلاق باب الحوار والتفاوض تماماً في وجه من يسعون، لإعادة تدوير من كانو سبباً في جرائم الحرب على السودانيين ، وحمايتهم للإفلات من العقاب عبر نافذة التفاوض ، فمجرد التفكير في هذا المخرج ، يضع القادة السياسين والعسكريين ، بمجلسي السيادة والوزراء ، جنرالات ومدنيين ، في خانة التواطء والمشاركة في قتل السودانيين…لنا عودة.