الثلاثاء, نوفمبر 18, 2025
الرئيسيةمقالاتازدواجية الرؤية الأمريكية في خطاب ماركو روبيو ومسعد بولس. ...

ازدواجية الرؤية الأمريكية في خطاب ماركو روبيو ومسعد بولس. بقلم/ مهدي داود الخليفة

في تطوّر لافت في الخطاب الأمريكي حول الأزمة السودانية، أظهرت تصريحات كلٍّ من مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والأفريقية، وماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، تبايناً واضحاً في توصيف الأزمة وتحديد المسؤوليات، خصوصاً تجاه قوات الدعم السريع التي تشكّل أحد طرفي الصراع الدامي في السودان.
ففي حين اتسمت تصريحات السيد بولس بالهدوء الدبلوماسي والدعوة إلى هدنة إنسانية عاجلة تمهّد لحوار شامل، جاءت تصريحات وزير الخارجية روبيو صريحة مُحمّلة قوات الدعم السريع مسؤولية مباشرة عن المأساة الإنسانية والانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين، وداعية إلى وقف فوري لتدفق الأسلحة اليها، مع التلويح بإمكانية تصنيفها منظمة إرهابية

هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى التنسيق داخل الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الملف السوداني، خاصة أن التصريحين صدرا في توقيت متقارب وفي سياق دبلوماسي واحد تديره واشنطون عبر الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر).

رغم أن اختلاف النبرة لا يعني بالضرورة غياب التنسيق، إلا أنه يكشف عن ازدواجية في الرؤية الأمريكية بين منطق “البراغماتية السياسية” الذي يُغلّب حسابات التحالفات الإقليمية والمصالح الاستراتيجية، ومنطق “القيم والمبادئ” الذي تتبناه وزارة الخارجية، والتي تضع في مقدمة أولوياتها قضايا حقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي.

يأتي هذا التناقض في وقت تتكاثف فيه التقارير التي تتهم دولة الإمارات العربية المتحدة بإمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والعتاد، رغم نفيها المتكرر لذلك. وبالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربط الرئيس ترامب بالإمارات ودورها المحوري في منظومة الأمن الإقليمي الأمريكي، يبدو من الصعب على واشنطن تبني موقف صارم ضد أبوظبي دون حساب دقيق لتداعياته السياسية والاقتصادية.

من هنا يمكن فهم لهجة مسعد بولس التي سعت لتليين الموقف وإبقاء الباب مفتوحاً أمام الإمارات كشريك إقليمي في إدارة الأزمة، في مقابل لهجة روبيو التي تعبر عن ضغوط متزايدة من الكونغرس والمنظمات الحقوقية الأمريكية الداعية إلى موقف أكثر تشدداً حيال الدعم السريع ومموليها.

في ظلّ هذا التباين، يبرز احتمال أن يكلف الرئيس ترامب مستشاره مسعد بولس بإدارة ملف السودان بصورة مباشرة، في محاولة لتوحيد الموقف الأمريكي تحت مظلة البيت الأبيض، وتخفيف حدة التناقض بين الأجهزة المختلفة.
هذا القرار، إن حدث، ستكون له تداعيات دبلوماسية واسعة؛ إذ سيؤدي إلى تهميش دور وزارة الخارجية وتقليص نفوذها في إدارة الملفات الإنسانية والسياسية المتعلقة بالسودان، مما قد يضعف التنسيق مع الأمم المتحدة والرباعية ويثير حفيظة الكونغرس
تراجع دور وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة الملف السوداني يعني عملياً تغليب المقاربة السياسية على المقاربة القانونية والمؤسسية. قد يمنح ذلك واشنطون مرونة أكبر في التعامل مع القوى الإقليمية، لكنه في المقابل يُفقد السياسة الأمريكية عنصر التوازن، خاصة وأن وزارة الخارجية هي القناة الأساسية للتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وأي تهميش لها قد يُعرّض المسار الإنساني للخطر ويُضعف جهود الهدنة التي يُفترض أن تنقذ حياة ملايين السودانيين المحاصرين بالحرب.
تواجه الولايات المتحدة اليوم معادلة معقدة في السودان: فهي من جهة تقود الرباعية الدولية التي يفترض أن تعمل على وقف الحرب وإطلاق عملية سلام شاملة، ومن جهة أخرى ترتبط بعلاقات استراتيجية وثيقة مع دولة متهمة بدعم أحد طرفي الصراع بالسلاح والتمويل. هذه الازدواجية تجعل من الصعب على واشنطون أن تلعب دور الوسيط المحايد ما لم تعالج التناقض داخل أجهزتها أولاً، وتضع سياسة واضحة تقوم على مبدأ الشفافية وعدم ازدواج المعايير في التعامل مع أطراف النزاع السوداني.

لإعادة مصداقيتها كقائدة للرباعية، تحتاج واشنطون إلى خطوات محددة وواضحة:

  • توحيد الخطاب الرسمي بشأن السودان تحت مظلة واحدة تجمع بين البعد السياسي والإنساني.
  • فرض شفافية مطلقة في تتبع مسارات السلاح إلى طرفي الحرب في السودان عبر لجنة دولية مشتركة.
  • إشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مبادرة الرباعية لضمان الحياد.
  • إعادة تأكيد الالتزام الأمريكي بحقوق الإنسان وعدم التسامح مع أي انتهاكات بغض النظر عن هوية الفاعل، خاصة وأن هذا الالتزام شهد تراجعاً ملحوظاً منذ تولي الرئيس ترامب السلطة.

التناقض الواضح بين تصريح مستشار الرئيس ووزير خارجيته يعكس الصراع الداخلي الذي يميز السياسة الأمريكية، حيث تتصارع رؤيتان متنافرتان تحكمان صنع القرار. الأولى تقوم على منطق المصالح والتحالفات الاستراتيجية، التي تسعى إلى حماية النفوذ الأمريكي وتعزيز تحالفاتها الإقليمية. أما الثانية فترتكز على منطق المبادئ والقيم، وتحمل في طياتها مسؤولية أخلاقية تجاه دعم السلام وحقوق الإنسان، مما يفرض على واشنطون اتخاذ مواقف واضحة وصارمة ضد النزاعات التي تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي.
ورغم أن البيت الأبيض قد يتمكن من احتواء هذا التناقض عبر موازنة دقيقة بين هذين المنطقيْن، إلا أن استمرار الحرب في السودان يعزز من بقاء هذه الازدواجية على حالها، ويحول دون تجاوزها. فطالما استمرت الصراعات المسلحة والدمار في السودان، ستظل السياسة الأمريكية محكومة بتلك التوترات الداخلية التي تعكس انقساماً بين مصالحها الجيوسياسية ومبادئها الإنسانية. وبالتالي، فإن الحل يتطلب من واشنطون أن تتبنى موقفاً واضحاً وحاسماً يُعطي الأولوية للسلام والاستقرار، متجاوزة بذلك الحسابات الإقليمية الضيقة التي تعيق تحقيق تسوية شاملة ومستدامة في السودان.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات