إنَّ ما يمرّ به السودان من تحوّلات جسام وتحدّيات مركّبة، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات، يكون عقل الدولة المفكّر في مواجهة كل طارئ، وجهازها الحيّ القادر على التنبؤ والاستجابة والتخطيط، بعيدًا عن ردّات الفعل والانفعالات اللحظية.
لقد عانى السودان — قبل الحرب وبعدها — من سلسلة أزمات متشابكة اقتصادية أنهكت المواطن، وأمنية أرهقت الدولة، وصحية أوجعت الجسد الوطني، وسياسية مزّقت النسيج الاجتماعي. وكل أزمة من هذه الأزمات لا تنفصل عن الأخرى، بل تتغذّى منها وتغذّيها، في دائرة مفرغة لا يمكن كسرها إلا بعقل مؤسسي منضبط، يدير الأزمات لا أن تجرّه الأزمات.
ومن هنا، فإن دعوتنا لتأسيس مركز لإدارة الأزمات ما كانت ترفًا إداريًا، ولا مقترحًا أكاديميًا للتداول، بل هي ضرورة وطنية عاجلة تستحق أن يتبنّاها رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس، بما عُرف عنه من فكر استراتيجي وتجربة دولية مشهودة، قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع، والخطط إلى أفعال.
فالمطلوب اليوم أن ننتقل من مرحلة التصريحات إلى مرحلة العمل، ومن الانفعال إلى الفعل، ومن التجريب إلى التخطيط. هذا المركز لا بد أن يكون بيت خبرة وطنياً، يضم نخبة من المختصين في الاقتصاد والسياسة والأمن والصحة والبيئة والإعلام، يعملون وفق منهج علمي دقيق، يدرس كل أزمة في جذورها، ويحلّل أسبابها ومسبباتها، ثم يضع التدابير الوقائية والعلاجية التي تحصّن الدولة وتوجّهها نحو الاستقرار.
ولأن الأزمات بطبيعتها لا تعرف الانتظار، فإن غياب هذا المركز يعني استمرار التخبط، وإعادة إنتاج الأخطاء، وإهدار الطاقات. أما وجوده، فهو صمّام الأمان في مرحلة ما بعد الحرب، إذ لا يمكن أن يُبنى وطن أو تُعمّر مؤسسات وسط الاضطراب، ولا يمكن أن تقوم نهضة بلا إدارة حكيمة للأزمات.
إن السودان اليوم أمام لحظة فارقة؛ فإما أن نُحسن إدارة أزماتنا بعقل جمعي مؤسسي، أو تظلّ الأزمات تديرنا وتتحكم في مصيرنا. ومركز إدارة الأزمات ليس خيارًا إضافيًا، بل هو ركيزة من ركائز الإعمار والتعمير والنهضة والنماء التي ننشدها جميعاً. ويمكن لهذا المقترح ان يكون محل نقاش وتحاور وبحث.. من كل المختصين.. والله الموفق.. Elhakeem.1973@gmail.com