يجتمعون هناك في واشنطن يتحلقون حول طاولة مستديرة ، ينظرون لبعضهم وكأنهم أرباب الخرائط ومهندسو المصائر ، يتحدثون عن وقف الحرب في السودان ، وعن السلام والاستقرار ، بينما أيادي بعضهم ما تزال تقطر منها دماء الأبرياء.
يدور في العلن والسر حديث الإجتماع الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة المبارك الأول لتمرد الدعم السريع والإمارات الحاضنة الأولى للمليشيا ومصر والسعودية ، رباعية تتصدر مشهداً بائساً لا صوت فيه لضحايا الحرب ، ولا موطئ قدم فيه لمن ذاق الجوع والنزوح والقصف ، من أهل السودان الحقيقيين.
فهل ستكون دماء أهل السودان رخيصة إلى هذا الحد؟ هل يذهب البرهان، بموافقة حكومته، ليجلس على طاولة تفاوض تعيد الأيادي الملطخة بدماء المدنيين للمشاركة في تقرير مصير هذا البلد المنكوب.
المؤسف أن الحديث عن حياد واشنطن في هذا الملف هو خدعة كبرى ، فلو لم تمنح الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر للإمارات ، لما تجرأ حميدتي على التمرد ، ولما تحولت المناوشات إلى حرب شاملة ، واشنطن لم تكن على الهامش ، بل كانت في صميم المشهد ، تخطط وتغض الطرف ، تراقب وتناور ، ثم تعود اليوم متخفية في عباءة الوساطة لتصنع مخرجات على مقاس حلفائها ، لا على مقاس دماء السودانيين فإذا كان القاتل هو من يتقدم للوساطة فهل ننتظر عدالة أم ننتظر طعنة جديدة.
إن كانوا يخططون في واشنطن لمنح ترامب جائزة نوبل للسلام، فليعلموا أن السودانيين يرونها جائزة نوبل للقتل ، لا للسلام. فترامب سفاح الشرق الأوسط هو نفسه من بارك قتل أطفال غزة ، وأسس لدعم لا محدود لإسرائيل ، فكيف يُصنع السلام على يدي قاتل؟
منذ أن تمردت قوات الدعم السريع ، وتلقت الدعم العلني والخفي من رعاة الخراب ، وأصحاب مشروع السودان الجديد كانوا يراهنون على الأحمق الأرعن حميدتي كمدخل للسيطرة على السودان ، ودخوله النادي الإبراهيمي حاسر الرأس والجسد حافي القدمين ، لكن الجيش السوداني ، ومن معه من المخلصين المباركين، مخابرات مشتركة مستنفرين ، قطعوا الطريق على المشروع في لحظة فارقة ، وبددوا أحلاماً نُسجت في الغرف المظلمة.
الآن وبعد أن أصبح الجيش قاب قوسين أو أدنى من تحرير كامل كردفان ، وعينه على دارفور ، بدأ المتآمرون يعدون العدة من جديد ، يهرعون إلى واشنطن ، يحاولون إعادة ترتيب الأوراق ، وصياغة مشروع بديل ، بعد أن فشلوا في هندسة الخراب عبر الخرطوم.
أما حلفاء المليشيا ، وتحديداً تحالف صمود ، فلا يزال الحنين إلى كراسي الحكم يسكنهم ، يروجون لإجتماعات الرباعية، ويبشرون بما يسمونه مشروع سلام دائم ، لكن أي سلام هذا؟ وأي مشروع؟ هؤلاء الذين خرجوا مع فجر الحرب بجوازاتهم الأجنبية ، اتخذوا من فنادق العواصم الأفريقية والأوروبية ملاذاً لهم ولأسرهم ، ولم يتعرضوا لمعشار ما تعرض له المواطن البسيط على يد قوات المليشيا الإرهابية،
فلو ذاقوا شيئاً من معاناة الفقراء في الخرطوم أو سنار أو الأبيض أو الجنينة، اوالفاشر أو الجزيرة لما قبلوا حتى بإلغاء التحية على من تلطخت يداه بالدماء .
على البرهان ، وعلى قيادات الجيش ، أن يكونوا على قدر التحدي ،التاريخ لا يرحم والدم لا يجف، والذاكرة لا تنسى ، إنه امتحان أخلاقي ووطني ، إما أن يصونوا دماء الشهداء ، وإما أن يسقطوا في خيانة لا يغسلها النسيان ، فالسودان لا يُدار من واشنطن ، السودان يُحرّر من الخرطوم من حيث اطلقوا شرارة الحرب…لنا عودة.