الأحد, يوليو 6, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة... ...

زاوية خاصة… نايلة علي محمد الخليفة جبريل إبراهيم.. رجل المالية في زمن الأزمات

في دولة ترنحت على وقع الحرب وأهتزت منظومتها الإدارية والاقتصادية، وخرجت فيها العاصمة القومية الخرطوم عن سيطرة الدولة قبل استعادتها، بدا المشهد سوداويا، وكان الاقتصاد السوداني أقرب ما يكون إلى حافة السقوط، ومع ذلك بقيت هناك مفاجآت تستحق التوقف، لعل أبرزها ما وُصف وقتها بالقدرة الاستثنائية للدكتور جبريل إبراهيم وفريقه في وزارة المالية، على ترويض سعر الدولار، ومنع الاقتصاد من الانهيار التام، في وقت تعثرت فيه باقي مؤسسات الدولة.

ورغم أن تقييم تجربة أي وزير في ظل حرب طاحنة وغياب كامل لأدوات الدولة أمر بالغ الصعوبة، إلا أن قراءة الأرقام، والمؤشرات الاقتصادية (نسب التضخم، استقرار سعر الصرف، ضبط الإنفاق العام)، تشير إلى أن الرجل لم يكن حاضراً فقط، بل كان فاعلاً ومؤثراً، هذا التقييم بعيداً عن العواطف وكما أسلفت جاء وفق مؤشرات اقتصادية بحتة، حتى لا يثار علينا غبار الناغمين على الرجل ونكون في مرمى حجارتهم.

فجبريل إبراهيم اقتصادي قبل أن يكون سياسياً، وخريج جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، ثم ابتُعث إلى جامعة طوكيو لذات الكلية، حيث نال درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد، وعمل بعدها محاضراً بعدد من الجامعات اليابانية، مما أكسبه خلفية علمية متميزة وخبرة دولية معتبرة. عُرف بتكوينه الأكاديمي الرصين، واطلاعه العميق على أدوات الاقتصاد الكلي، والمالية العامة، والحوكمة، وأدار من قبل مؤسسات مالية في القطاع الخاص داخل وخارج السودان، ما أكسبه فهماً واقعياً للسوق وآلياته.

تُظهر الوثائق والسير الذاتية أنه عمل في التخطيط المالي والتنموي، وشارك في وضع خطط اقتصادية استراتيجية، ما يبرر بعض النجاحات الفنية التي حققها حين جلس على كرسي المالية في مرحلة شديدة الاضطراب.

إذا تولى الدكتور جبريل إبراهيم وزارة المالية في حكومة جديدة تُبنى على أنقاض الحرب، فإن فرص نجاحه ستتوقف على مدى توفر بيئة حقيقية لاستعادة المركز المالي للدولة، وعودة الإيرادات إلى قنواتها الرسمية، وتمكين وزارته من بسط سيطرتها على السوق المحلي، وخاصة في ما يتصل بإدارة سعر الصرف والتعامل مع السوق الموازي.

جبريل يمتلك ما يكفي من الحنكة الاقتصادية، وهو محاط بفريق فني متمرس، ولديه شبكة من العلاقات في الدوائر الاقتصادية الإقليمية والدولية يمكن أن تُسهم في توفير دعم فني أو تمويلي عند الحاجة، إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الوطنية الجامعة، قدرته على قراءة الواقع السوداني المعقد، وإدارته للملف المالي سابقاً في ظل شح الإيرادات والاضطرابات الأمنية، تجعل منه مرشحاً جاداً لقيادة وزارة المالية في مرحلة ما بعد الحرب، بشرط أن يُمنح أدوات العمل الحقيقية.

لا شك أن الدكتور جبريل إبراهيم واجه ولا يزال يواجه انتقادات متكررة من خصومه، بعضها يتصل بخلفياته السياسية، وبعضها الآخر بسياساته الاقتصادية، خاصة تلك التي تعلقت برفع الدعم عن السلع وتحرير السوق، وهي سياسات وُصفت بالقاسية وغير المتوازنة، في ظل معاناة المواطن اليومية.

لكن المدهش أن هذه الانتقادات قد تُستثمر لصالحه في حال أحسن التعامل معها، فمثلاً، بإمكانه إعادة تقديم نفسه من منصة الأداء الاقتصادي لا من منابر السياسة، مع اعتماد خطاب شفاف يشرح فيه للرأي العام طبيعة التحديات، وحدود الإمكانات، وضرورات الإصلاح. كما أن فتح قنوات حوار جاد مع المجتمع، واستيعاب الطاقات الشابة في التخطيط المالي على شرط الكفاءة، من شأنه أن يضخ دماء جديدة في الوزارة ويُعطي مؤشرات على التحول نحو إدارة تشاركية حديثة.

قد لا يحظى الدكتور جبريل إبراهيم بإجماع سياسي، لكن الإجماع في هذه المرحلة لا يُبنى على التوازنات السياسية وحدها، بل على الكفاءة والنتائج، والرجل اختُبر في أصعب الظروف، ونجح وإن كان النجاح جزئياً في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار المالي، في وقت كانت فيه الدولة تتآكل من أطرافها، والشعب يترنح بين النزوح واللجوء والفقر.

في مرحلة إعادة البناء، قد يكون السودان بحاجة إلى من لم يفر من الحريق، بل وقف فيه وجرب أدوات النجاة، جبريل إبراهيم ليس رجلاً يُجرب للمرة الأولى، بل رجل خرج من التجربة وهو يحمل بين يديه مفتاحاً لفهم الواقع، وأدواتٍ لإعادة تركيبه اقتصادياً من جديد، فإن عاد إلى كرسي المالية فهو أدرى بها، وأهل مكة أدرى بشِعابها… لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات