في تصعيدٍ دبلوماسي بات واضح المعالم، تواصل أبوظبي، وبوتيرة محمومة، تحركات عدائية ضد السودان في عدد من المنصات والمحافل الإقليمية والدولية، متبنية خطابًا لا يخلو من التحامل والانحياز، ما يطرح تساؤلات جدية حول طبيعة الأهداف التي تسعى إليها الإمارات، ودوافعها الكامنة وراء هذا السلوك المتكرر
أحدث مظاهر هذا النهج تمثلت في الموقف العدائي الصريح لوفد الإمارات خلال اجتماعات حركة عدم الانحياز التي انعقدت الأسبوع الماضي في نيويورك على مستوى الخبراء، حيث لم تتردد أبوظبي في مهاجمة السودان دبلوماسيًا، رغم إدراكها التام لحساسية الظرف الذي تمر به البلاد بسبب الحرب المفروضة عليها.
لكن هذه المواقف لا يمكن النظر إليها كحوادث فردية أو معزولة، بل هي امتداد لمنهجية سياسية واضحة، تنطلق من دعم إماراتي مباشر لمليشيا الجنجويد، المعروفة بارتكاب جرائم حرب ممنهجة بحق المدنيين، وهي المليشيا التي ظلت تتلقى إسنادًا عسكريًا ولوجستيًا وماليًا من نظام أبوظبي منذ الأيام الأولى للصراع، في تحدٍ صارخ للقوانين الدولية، ولإرادة الشعب السوداني في بناء دولة مدنية مستقرة.
هذا الدعم لم يقف عند حدود الميدان، بل تم نقله إلى جبهات الدبلوماسية الدولية، حيث نشط ممثلو الإمارات في مجلس حقوق الإنسان، والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، في محاولات محمومة لتبرئة الجنجويد من فظائعهم، وتشويه صورة الدولة السودانية، والضغط لعرقلة أي جهود لمساءلة مرتكبي الجرائم، أو اتخاذ موقف مبدئي من المأساة الإنسانية في دارفور ونيالا والفاشر.
إن ما تقوم به أبوظبي في السودان هو في حقيقته مشروع لإعادة صياغة موازين القوى في الإقليم، عبر استخدام أدوات غير شرعية تتصدرها المليشيات المسلحة، بما يخدم طموحات توسعية معروفة، تتنافى مع الأعراف الدولية، وتتناقض تمامًا مع خطابها المعلن كـ”وسيط سلام”. ففي الحالة السودانية، تظهر الإمارات بشكل سافر كداعم لمليشيا تمارس التطهير العرقي، وتنتهك سيادة الدولة، وتمزق النسيج الاجتماعي.
ومع تصاعد هذا التدخل الإماراتي، فإن المسؤولية باتت تفرض على السودان – حكومة ومجتمعًا – التحول من مربع الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي المنظم، وتكثيف الجهود لكشف الأدوار التخريبية لأبوظبي، من خلال تعزيز التحالفات مع الدول الصديقة، والانفتاح على المنظمات الأممية، والضغط لكسر حالة الصمت الدولي عن هذا التواطؤ المستمر.
إن صمت المجتمع الدولي عن هذا الدور لم يعد مبررًا، خصوصًا بعد توثيق منظمات حقوقية مستقلة للفظائع التي تُرتكب تحت غطاء الدعم الإماراتي. فقد آن الأوان لأن يتعامل العالم بجدية مع طبيعة الانخراط الإماراتي في السودان، لا بوصفه دعمًا إنسانيًا كما تزعم أبوظبي، بل كعامل تغذية الحرب الدموية يهدد الأمن الإقليمي، ويقوّض فرص السلام العادل.
لقد أثبتت الأحداث أن بقاء السودان موحدًا وآمنًا هو الضامن الأساسي للاستقرار في المنطقة، وأن حماية سيادته ليست مسؤولية السودانيين وحدهم، بل مسؤولية كل من يؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها بعيدًا عن أدوات الهيمنة الخارجية.