عندما ذهب إسماعيل الأزهرى إلي مؤتمر باندونج لدول عدم الإنحياز عام 1955 قبل استقلال السودان بشهور، كان تأكيدا من قبل القيادة السياسية في ذلك الوقت أن يبتعد السودان عن المحاور الإقليمية و الدولية، و يبحث له عن موطيء قدم بعيدا عنها، و يستطيع أن يستفيد منها جميعا، و الفترة التي عقبت تلك الفترة كان الصراع بين قطبين ما تسمي ” الحرب الباردة” و عقب أنهيار حائط برلين و تفكك الاتحاد السوفيتي أصبح العالم يخضع لقطب واحد هو الذي يريد أن يهندس العالم برؤيته.. و لكن بعد ربع قرن أصبحت الدعوة إلي تعدد الأقطاب.. و وجود إيران عام 1979م ثم الحرب الإيرانية العراقية الهدف منها هو السيطرة على المنطقة في تلك المنطقة، و وقفت الحرب و دخل نظام صدام حسين الكويت، و كان سببا في عزلة النظام ثم إزالته لتصبح إيران ذات نفوذ كبيرا في العراق و سوريا و لبنان و اليمن، و تخوفت دول الخليج فكان لابد أن تبحث لها عن تحالف يحمي مصالحها، أضافة إلي الولايات المتحدة التي كانت بالفعل تحافظ و تحمي تلك المنطقة من اجل مصالحها هي…
أتضح من خلال الذي يحدث الآن في المنطقة. أن دخول السعودية و الأمارات في الصراع الدائر في اليمين، كان جزءا من جس نبض لإيران و معرفة دعمها للحوثيين، و محاولات سيطرها على المنطقة، خاصة أن أغلبية دول الخليج يتواجد فيها العديد من المواطنين ذوي الأصول الإيرانية، إضافة ذوي المذهب الشيعي، و قد فشلت الدولتان في القضاء على الحوثيين، لذلك استنجدت بالسودان أن يرسل مقاتلين للمشاركة في ” عاصفة الصحراء” و كانت مشاركة أكبر لقوات الدعم السريع، أصبح التفكير كيف يكون السودان دولة يستخدم أبناءها هم الذين يقومون بحماية تلك الدول، و لكي تصبح هذه حقيقة وجودية؛ كان لابد من التفكير الجاد في علاقات وطيدة مع ” ميليشيا الدعم السريع” لكي تجند لهم القوى المقاتلة التي يريدونها، لكن بعد التظاهرات في البلاد لاسقاط النظام، بدأت القوى الخارجية التدخل المباشر في الشأن السياسي السوداني، من خلال أجهزة مخابراتها، و أيضا الديلوماسية.. و هذا الذي كان أشار إليه محمد مختار الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في الندوة التي نظمها حزبه في ميدان المدرسة الأهلية في أم درمان، أشار إلي القيادات السياسية التي كانت تلبي دعوات المخابرات الأمارتية للذهاب إلي أبوظبي.. و ظهر أيضا في الرباعية ” أمريكا و بريطانيا و السعودية و الأمارات” هؤلاء أصحاب المشروع و الذين بعد فشل أنقلاب الميليشيا أصبحوا وراء كل دعوات التفاوض في ” جدا و جنيف و باريس و غيرها”..
في الجانب الأخر.. بعد عملية 7 أكتوبر من قبل حماس ضد أسرائيل ، لم تتوقف أسرائيل على ضرب حماس، و جهازها العسكري، أنما تريد السيطرة الكاملة على المنطقة، من خلال ذلك ضربت حزب الله، و بعد ذلك سقط النظام في سوريا، و هي التي يطلق عليها أزرع إيران في المنطقة.. سهولة ضرب هؤلاء أعتقدت أسرائيل أن ضرب إيران أيضا سيكون بذات السهولة، إذا كانت أمريكا تجاوبت و دعمت إسرائيل، لكنها أرادت أن تقوم أسرائيل بالهجوم على إيران و جعلها تتحمل ردة الفعل الإيراني، و كان الاعتقاد أن إيران سوف تستسلم بعد ذلك، لكن أمتلاك إيران لقوى صواريخ ضاربة و متنوعة، و قادرة أن تحدث أختراقات للدفاعات الإسرائيلية و ضرب أسرائيل و العديد من مؤسساتها، بين لأمريكا القدرة التي تمتلكها إيران، و أنها تستطيع أن تستمر في حرب استنزاف طويلة مع إسرائيل، و بدأ صراخ نتنياهو بدخول أمريكا من أجل ضرب المفاعلات الننوية، لكن ترامب أعطى فرصة لمدة اسبوعين السؤال لماذا؟ ضربت أمريكا المفاعلات الأمريكية، و قالت إيران أنها لم تؤثر على اليورانيوم المخصب و أن مفاعلاتها يمكن إعادة تشغيلها.. السؤال هل إيران سوف تضرب أمريكا كما وعدت؟.. لا أظن ذلك أن إيران تفتح حرب مواجهة مع أمريكا.. و سوف تجعل الرد على أمريكا مسألة مهمة.. لكن إيران سوف تستمر في استنزاف إسرائيل حتى تحذرها من هذا الفعل مرة أخرى..
الحرب ضد إيران كشفت لها الإختلالات التي تواجهها إيران في جهاز مخابراتها الذي عجز عن كشف الأختراقات التي حدثت لها, و أدت لضرب أماكنها الإستراتيجية، و قد كشف لها ضعف دغفاعاتها الجوية و راداراتها، و أيضا تأمين منصات صواريخها بالشكل الذي لا يتم ضربه بسرعة.. لكن الحرب نفسها سوف تغير المعادلات السياسية في المنطقة، و سوف يقيد حركة إسرائيل التي تمددت بصورة كبيرة، و خاصة في دول الخليج.. و أيضا في دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، و الموازنات الجديدة سوف تعتمد على قوى التحالفات الجديدة، خاصة بظهور القوى الداعية إلي تعدد الاقطاب في العالم حتى تتسنى عملية الحوار الذي يقود على احترام القانون الدولي و احترام مواثيق و اتفاقات الأمم المتحدة..
السودان ليس ببعيد أن التغييرات التي تحدث في المنطقة، و السودان منذ الاستقلال و ذهاب أسماعيل الأزهري لمؤتمر بندونج، أن يظل السودان في الحياد، و رغم ذلك أًصبح ضحية لهذه التحالفات الإقليمية المرتبطة بأجندة تريد تغيير خريطة دول المنطقة, و رغم حيادية السودان لكنه أصبح دولة مهمشة، و اتابعة لسياسات و مواقف دول أخرى.. و كان يرادأن يجر السودان لما تسمى ب ” مجموعة الديانة الإبراهيمية” لكي يظل في الذيل و يستخدم في الألعاب القذرة في المنطقة.. الآن الحرب الدائرة في السودان و موقف الشعب المؤيد للقوات المسلحة، هو الذي أدى إلي إحباط المؤامرة الأماراتية، و الدول التي وراءها.. بعد وقف الحرب على السودان أن يختار أن يكون من دول الهامش. أم من الدول التي يجب أن تكون مؤثرة في قضية الحرب السلم العالمي.. و السودان لا يستطيع أن يكون قويا إلا بعد أن يخلق الأمن و الاستقرار في اللاد.. و يستطيع أن يستثمر موارده بالصورة التي تجعله يخلق الرفاهية لشعبه، و يطور قدراته العسكرية الرادعة لحماية البلاد و سيادتها.. و لا يعني ذلك الدخول المباشر في تحالف، لكن لا يمكن أن تعيد الدخل في تحالف قد تأمر علي البلاد بهدف سرقة ثرواته.. و لا علاقات مع دول عجزت إدانة هذه المؤامرة.. نسأل الله حسن البصيرة..