الأربعاء, يونيو 25, 2025
الرئيسيةمقالاتالهجرة النبوية ..مشروع النهضة المتكامل .. ...

الهجرة النبوية ..مشروع النهضة المتكامل .. بقلم د.إسماعيل الحكيم..


كانت الهجرة النبوية وما زالت حدثًا غير مجرى البشرية وثقافاتها ، ومفصلًا فارقًا بين عهد الدعوة الفردية وعهد الدولة المؤسسية، وبين مرحلة الاستضعاف ومرحلة التمكين، بل بين العشوائية والتخطيط، وبين الفوضى والنهضة.ففي لحظة من أعظم لحظات التاريخ، غادر النبي محمد ﷺ مكة التي أحبها وترعرع فيها مهاجرًا إلى المدينة، لا هربًا من الألم، بل طلبًا للأمل، ولا انسحابًا من الواقع، بل صناعة لمستقبلٍ جديد.
إن الهجرة ما كانت انتقالاً من مكان إلى آخر، بل كانت انتقالًا من الفكرة إلى الفعل، ومن التنظير إلى التطبيق، ومن العاطفة المجردة إلى الإدارة الحكيمة. لقد كانت لحظة ميلاد الدولة الأولى في الإسلام، دولة اختير فيها الأكفاء، ورُسمت فيها ملامح المجتمع المتماسك، وبُنيت على أساسٍ متين من القيم، والإخلاص، والتخطيط الاستراتيجي الواعي.
وإذا كانت الهجرة في الماضي لحظة خروج من أرضٍ ضاقت بأهلها إلى أرضٍ احتضنت المشروع النبوي، فإنها في عصرنا الحالي تمثل رمزًا دائمًا لكل خروجٍ من واقعٍ مأزوم إلى مستقبلٍ مأمول. إنها دعوة متجددة للتحول البنّاء، ودليل حضاريّ على أن الأمم لا تنهض بالانتظار، وإنما بالهجرة الفكرية والنفسية الواعية ، نحو الوحدة والإصلاح والعمل المنهجي المنظم.
واليوم، ومع إشراقة عام هجري جديد، يقف السودان على أعتاب هجرته الخاصة. هجرة من الفوضى إلى النظام، من التمزق إلى الوحدة، من الألم إلى الأمل. فالسودان الذي أثخنته الحروب وأرهقته الأزمات، أحوج ما يكون الآن إلى أن يستلهم من دروس الهجرة معاني التحوّل الحقيقي، القائم على إعادة بناء القيم الوطنية، وزراعة الأمل في نفوس الشباب، والنظر إلى المستقبل بعين البصيرة لا البصر.
إن السودان، اليوم، لا يحتاج إلى شعارات موسمية، بل إلى مشروع وطني يُعيد ترميم ما تهدّم، ويعيد صياغة ما اختل، ويؤمن بأن لا بناء دون إرادة، ولا نهضة دون تضحية، ولا وحدة دون وعي.
إن بناء السودان لن يأتي بقرارٍ من الخارج وإنما بعزائم شبابه، ووعي قادته، وتلاحم مجتمعه. والهجرة النبوية تضع بين أيدينا خارطة طريق واضحة لإصلاح الذات، توحيد الصف واختيار القادة الأكفاء مع التخطيط الدقيق والمبادرات الخلاقة، والإيمان العميق بأن النصر لا يُعطى لمن ينتظر، بل لمن يبادر ويصبر ويصنع.
فلنجعل من هذا العام الهجري بداية النهاية للفرقة والفساد والظلم والجهل، وبداية حقيقية للعدالة، والنمو، والنهضة، والتفوق في كل المجالات في التعليم، والاقتصاد، والأمن، والإعلام، والإدارة، والبنية التحتية، حتى يصبح السودان قصة نجاح تروى، لا مأساة تُستعاد.
الهجرة ليست حدثًا يُحتفى به فحسب ، بل مشروعًا يُحتذى به. إنها درسٌ متجدد بأن في داخل كل أمة القدرة على أن تنهض، وفي داخل كل جيلٍ فرصة للقيادة، وفي داخل كل محنةٍ بداية جديدة.
فلتكن هجرة السودان الكبرى من الضعف إلى القوة، ومن الحيرة إلى الرؤية، ومن الشتات إلى الوطن الجامع.
وليكن هذا العام الهجري الجديد عام البناء الحقيقي، والنهضة الصادقة، والأمن الشامل، والتفوق الوطني في كل ميدان.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات