السبت, يونيو 21, 2025
الرئيسيةمقالاتالإصلاح القضائي ضرورة لا مفر منها لإعادة بناء دولة القانون في ظل...

الإصلاح القضائي ضرورة لا مفر منها لإعادة بناء دولة القانون في ظل حكومة كامل إدريس بقلم: [الطيب الفاتح أحمد الشمبلي ] – كاتب وباحث مستقل متخصص في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية، يركز على القضايا الإفريقية والخليجية : المجد نيوز


يمر السودان اليوم بمرحلة انتقالية معقدة، تجتاحها تحديات سياسية وأمنية متشابكة، وفي ظل قيادة الدكتور كامل إدريس كرئيس للوزراء، يتجلّى الإصلاح القضائي كأحد أهم المفاصل الوطنية التي لا يمكن تجاهلها. إذ يشكل القضاء جوهر دولة القانون، التي هي الأساس لأي نظام حكم عادل ومستقر.

لا يقتصر الإصلاح القضائي على مجرد تعديل القوانين أو الإجراءات الشكلية، بل يتعداه إلى إعادة بناء منظومة القضاء بالكامل، لتكون قادرة على أداء دورها المهني والموضوعي بعيدًا عن أي تأثيرات سياسية أو أجندات ضيقة. إن القضاء المستقل هو الضمان الحقيقي لحماية الحقوق، وتحقيق العدالة، وفرض سيادة القانون على الجميع دون استثناء.

واقع القضاء السوداني بين هشاشة الماضي وتحديات الحاضر :

لقد حملت السنوات الماضية تجربة مؤلمة قضائية في السودان، حيث تداخلت السياسة بالقضاء بصورة أثرت سلبًا على استقلاليته، ما أضعف ثقة المواطن في قدرة النظام القضائي على إنصافه. تحوّل القضاء أحيانًا إلى أداة تستخدمها قوى سياسية لتحقيق أهدافها، بدلاً من كونه ملاذًا للحق والعدالة. هذا الواقع يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار النظام السياسي، ويغذي الانقسامات الاجتماعية التي تهدد وحدة البلاد وأمنها.

لذلك، لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون إصلاح قضائي عميق يشمل ضمان استقلال القضاء، وتعزيز حمايته القانونية والسياسية، ورفع قدرته على تطبيق القانون بنزاهة.

الإصلاح القضائي يتطلب مقاربة شاملة :

إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ وينتهي عند القوانين، بل يمتد إلى إعادة هيكلة المؤسسات القضائية نفسها، وتوفير ضمانات واضحة لحماية القضاة من أي ضغوط، تتيح لهم إصدار أحكامهم بحرية واستقلالية تامة. كما يجب مراجعة القوانين التي تقيّد الحقوق والحريات، وإلغاء النصوص التعسفية التي تتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع استبدالها بأطر قانونية تحترم العدالة والحرية.

مكافحة الفساد: حجر الأساس للإصلاح :

يمثل الفساد داخل النظام القضائي أحد أكبر العوائق أمام تحقيق الإصلاح، إذ يقوض الثقة ويغذي المحسوبية والتسييس. من هنا، تبرز ضرورة تقوية أجهزة الرقابة القضائية، وتفعيل آليات مكافحة الفساد بشفافية، مع فرض محاسبة صارمة على كل من يثبت تورطه، دون استثناءات.

العدالة للجميع، ليست رفاهية للنخبة :

تتطلب العدالة أن تكون متاحة لكل مواطن، خاصة أولئك الذين يعانون من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية. تعقيد الإجراءات القضائية، وارتفاع تكاليف التقاضي، وقلة الوعي القانوني، كلها عوامل تحول دون وصول العديد إلى حقوقهم. لذا، لابد من تبني سياسات تُبسط الإجراءات، وتوفر الدعم القانوني المجاني أو الميسر، مع تكثيف حملات التوعية الحقوقية، ليصبح القضاء فعلاً أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

دور المجتمع المدني والرقابة الشعبية في دعم الإصلاح القضائي :

لا يكتمل الإصلاح القضائي دون إشراك فعال للمجتمع المدني والرقابة الشعبية التي تفرض المساءلة على المؤسسات القضائية. يُعتبر المجتمع المدني شريكًا أساسيًا في تعزيز شفافية القضاء، من خلال متابعة أداء المحاكم، ومطالبة الجهات المسؤولة بإجراءات إصلاحية واضحة، فضلاً عن نشر الوعي القانوني بين المواطنين. كما تلعب منظمات حقوق الإنسان دورًا محوريًا في رصد الانتهاكات والتجاوزات، والضغط على الحكومات لتطبيق القوانين بشكل عادل ومستقل.

الرقابة الشعبية، عبر الإعلام الحر ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبحت أدوات لا غنى عنها في فضح التجاوزات ومراقبة أداء القضاء، مما يحد من حالات الفساد والتسيس. ومن هنا، يتوجب على الحكومة توفير بيئة تحترم حرية التعبير، وتضمن حماية الناشطين والمراقبين، لتصبح إرادة الإصلاح قضائية وشعبية في آنٍ معًا، لا حكراً على نخبة معينة.

تحديات بيئية وسياسية تعيق التقدم :

لا يمكن إغفال واقع التحديات السياسية والأمنية التي تواجه الإصلاح، خاصة تواجد مراكز قوة داخل الأجهزة الأمنية والسياسية تسعى للحفاظ على امتيازاتها، مما يعوق بناء توافق وطني على خارطة طريق واضحة للإصلاح. إضافة إلى ذلك، الضائقة الاقتصادية تقيد الإمكانيات المادية لتحديث البنية التحتية القضائية، وتأهيل الكوادر، واعتماد التكنولوجيا التي تسهل الإجراءات.

الإصلاح القضائي مفتاح السلام والتنمية :

قد يُنظر أحيانًا إلى الإصلاح القضائي كقضية تقنية، لكن الحقيقة تقول إنه الركيزة التي تبنى عليها الدولة المستقرة. القضاء العادل يفتح طريق الحلول السلمية للنزاعات، ويُعزز حكم القانون الذي يحفظ الحقوق ويقوي السلم الأهلي.

كما أن وجود نظام قضائي مستقل وفعال يجذب الاستثمارات، إذ يبحث المستثمرون عن بيئة قانونية تحمي مصالحهم وحقوقهم. بدون ذلك، تبقى التنمية الاقتصادية هشّة ومهددة.

إرادة سياسية حقيقية لإصلاح جوهري :

يمثل الإصلاح القضائي في عهد حكومة كامل إدريس امتحانًا حقيقيًا لإرادة الدولة في بناء دولة القانون. الطريق لن يكون سهلاً، لكنه السبيل الوحيد للخروج من أزمات الفوضى والانقسام.

اليوم، يقف السودان على مفترق طرق: إما اختيار بناء نظام قضائي مستقل يعزز العدالة والمساواة، أو الاستمرار في دوامة المصالح الضيقة التي تعرقل التقدم.

الإصلاح القضائي العميق والمستدام يتطلب إرادة سياسية صادقة، تُترجم إلى خطوات عملية تُعيد السودان إلى مكانته كدولة تحترم العدالة وكرامة الإنسان.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات