إن آثاراً أمنية وإقتصادية وجيوسياسية تنتجها الحروب أينما ما أشتعلت ..وبين يدي حرب الأمس والغد .. هذه قرأة لواقعنا العربي مربوطاً بما يسمى تقاطعات المصالح ما بين دعم وممانعة .. ففي قلب مشهد إقليمي متوتر، تصاعدت نذر المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، لتضع المنطقة برمتها على صفيح ملتهب. فلم تعد الحرب من الاحتمالات البعيدة بل باتت مشهدًا يتشكل على مرأى من الجميع، بمقدماته النارية، وخيوطه المعقدة، ونتائجه الكارثية المحتملة. وإذا كان هذا الصراع في ظاهره صراع نفوذ بين قوتين إقليميتين، فإن باطنه يحمل زلزالًا استراتيجيًا يُهدد الأمن القومي العربي، ويضغط على اقتصادات هشة ومضطربة، وربما يُفكك ما تبقى من نسيج الشعوب ووحدة مصيرها .
الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي اندلعت بشكل مباشر وواسع تخطت إنحباسها الجغرافي المحدود إلى رحاب اوسع. فالمسرح الإقليمي بات مترابطًا، والشبكة الأمنية هشة، والفراغات السيادية ممتدة ومتسعة. وفي هذا السياق تكون المعادلات كالآتي:_
- دول الخليج، ذات العلاقة الاستراتيجية بالولايات المتحدة، قد تتحول إلى ساحات رد إيرانية، أو منصات دعم أمريكي إسرائيلي، مما يجرها إلى أتون الصراع.
- لبنان وسوريا والعراق، حيث يتغلغل النفوذ الإيراني وهذه قد تتحول إلى جبهات مفتوحة وهذا أيضاً يُعيد مشاهد الحرب الأهلية والتفكك الأمني من جديد .
- الأردن ومصر، وإنْ حرصتا على سياسة التوازن حتى الآن ، إلا أن جغرافيتهما المحاذية لأطراف الصراع تُبقيهما في مرمى التداعيات المباشرة.
إن التهديد الحقيقي لا يكمن في النيران المتبادلة، بل في تقويض منظومة الأمن العربي بالكامل دون إستثناء ، وتكريس واقع يستند على التفكك الأمني والفراغ السيادي والذي ستستثمره القوى الإقليمية والدولية لصالحها .
وإقتصادياً فإن اقتصادات عربية كثيرة تقوم على هشاشة ظاهرة ، وتعتمد على الاستقرار السياسي وأسعار الطاقة وحرية الملاحة. فهذه الحرب اضحت مهدداً بـ: - ارتفاع جنوني في أسعار النفط، وهذا يُربك الأسواق، ويُضاعف الأعباء على الدول المستوردة للطاقة.
- تهديد أمن الممرات البحرية في الخليج والبحر الأحمر، مما يرفع كُلفة التأمين والنقل ، وبالمقابل يُهدد صادرات وواردات الدول العربية جميعها .
- تراجع الاستثمار والسياحة في منطقة باتت تبدو للعالم حقل ألغام مفتوح وقتال متجدد ، لا بيئة استثمار ولا مستقبل آمن فيها.
ولم أكن مبالغاً إن ذهبت إلى أن حربًا إقليمية بهذا الحجم ستُعيد عجلة التنمية العربية عقودًا إلى الوراء، وتُسرّع من سقوط جل الأنظمة في فخ العجز الاقتصادي و الذي سينتج غضباً شعبياً غير مضمون النتائج .
هذا الصراع الإسرائيلي الإيراني أيضاً يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، لا على أساس المصالح المشتركة وحدها، بل على قاعدة الخوف والانحياز وهنا يتجلى الآتي :_ - بعض الدول ستختار الاصطفاف خلف إسرائيل حمايةً لمصالحها المباشرة، دون اعتبار لتداعيات ذلك على الشعوب والقيم القومية.
- أخرى ستنخرط في محاور المقاومة، لكن ستدفع شعوبها ثمنًا باهظًا من أمنها واستقرارها.
ووسط كل ذلك، تفقد الشعوب العربية إحساسها بالوحدة والمصير المشترك، وربما تحولت الخريطة النفسية للعرب من خريطة تضامن وتكامل ولو ظاهرياً، إلى فسيفساء من الانتماءات الطائفية والمحاور المتصارعة الضيقة .
إن وحدة الشعوب لا تسقط بالرصاص والتقتيل ، بل بالتضليل الإعلامي والولاء الأعمى ، وبتحويل التحالفات السياسية إلى مساحات للشيطنة المتبادلة وتصفية الحسابات العقائدية .
وبالنظرة المستقبلية إن تطوّر هذا الصراع يعني: - انهيار منظومة الدولة في أكثر من بلد عربي.
- نمو الحركات المتطرفة مستغلة الفراغ الأمني والاحتقان الطائفي.
- تقسيم فعلي للمنطقة إلى مناطق نفوذ ، تُدار بالوكالة من قبل قوى أجنبية.
في الكفة الأخرى إذا ما تم احتواء الحرب، فإن المشهد لا يقل خطورة على ما هي عليه ، إذ ستُعاد صياغة الخريطة الإقليمية بمنطق المنتصر والتابع والقوي، لا بمنطق الشراكة والتوازن. وستخرج بعض الدول العربية من المعادلة كلاعبين صغار في هامش لعبة كبرى.
عليه إن الحرب بين إسرائيل وإيران لم تكن صراعاً مسلحاً بين قوتين ، بل هي لحظة إختبار مفصلي تُعيد العقل العربي إلى رشده طارحة سؤال عريض : هل نملك مشروعًا موحدًا لحماية أمننا ومصالح شعوبنا؟ هل نستطيع تحييد المنطقة عن صراعات هذه القوى؟ هل لدينا إرادة سياسية لصياغة موقف عربي جماعي يسبق توسع الانفجار بدلًا من بكاء ما بعد الحريق؟
إن صمت العقلاء والحكماء أخطر من صخب المدافع والبنادق، وإن المواقف الرمادية ستُحاسَب شعبيًا وتاريخيًا. فالمطلوب ليس بيانات إدانة باهتة مكرورة أو توازن دبلوماسي ضعيف ، بل موقف عربي شجاع يُعيد الاعتبار لمفهوم الأمن القومي، ويضع مصلحة الأمة فوق تكتيكات المحاور والتحالفات المؤقتة . وربنا يستر ..