السبت, أغسطس 2, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة. ...

زاوية خاصة. نايلة علي محمد الخليفة. الحكيم الانتهازي

الانتهازية لغةً هي استغلال الفرص لتحقيق مصالح شخصية دون اعتبار للقيم أو المبادئ. أما في العامية السودانية، فيُقال عن الانتهازي زول بميل مع الريح، وين ما مشت يشيل شنطتو ويمشي معاها، ويُقصد به الشخص الذي يغيّر مواقفه حسب الاتجاه السائد لتحقيق مكاسب آنية، حتى لو تعارض ذلك مع الأخلاق أو الثوابت.

ومحمد هاشم الحكيم، من المؤسف أنه أصبح مثالاً لهذا النمط في الساحة السودانية لم يعرف عنه الثبات على مبدأ، فهو يتنقل بين الأدوار تارة يطرح نفسه كرجل دين، وتارة أخرى كناشط سياسي، وفي بعض الأحيان يظهر بتجليات رجال التجارة، مما يعكس ازدواجية تُضعف الثقة في نواياه.

لقد خسر الحكيم كثيراً من رصيده بمواقفه المتقلبة. فعندما كان نظام البشير في أوج سلطته، عُرف بالقرب منه، ثم ما لبث أن انقلب عليه بمجرد سقوطه، وهرول إلى ميدان الاعتصام برفقة أسرته، وحرص على توثيق وجوده بالصور التي نشرها بتباهٍ واضح، وكأنه يريد إقناع الناس بأنه “كان هناك” ضمن من صنعوا الثورة، بينما الواقع أن حضوره جاء بعد الهياج الثوري، ليسمعهم صوته ها أنا هنا معكم ضد البشير ولم أكن يوماً من أنصاره، لتتجلى الانتهازية في أبهى صورها.

في فترة ما بعد الثورة، اتخذ الحكيم موقفاً عدائياً ضد المحامي الشهيد ممدوح، الذي كان يدافع عن مدارس زيد بن ثابت القرآنية في وجه تغول قوى الحرية والتغيير عبر شرطتها، لجنة التمكين، التي استهدفت كل مؤسسة لها علاقة بدين الله. حيث وقف الحكيم إلى جانب “القحاطة” ضد أولياء الأمور والمدرسة، فكان الأولى به، كرجل دين، الوقوف في جانب الحق. وقد وثّقت السيدة مريم منصور تلك الوقائع في منشور شاركه المجاهد أويس غانم على صفحته قالت فيه(كلما رأيته تذكرت وقفته مع القحاطة ضد محامي مدارس زيد بن ثابت القرآنية، الأخ ممدوح الذي وكلناه كأولياء أمور في هذه القضية… حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم).

وللتذكير كما عقب أويس، فإن المحامي ممدوح هو نفسه الشهيد ممدوح، أمير موقع 07 المدرعات، صاحب العبارة الخالدة: “نحن ننتصر أو نموت”، الذي ضحى بحياته فداءً للوطن فما الذي قدمه هذا “الحكيم” للوطن غير مواقفه الضبابية ضد الوطن والمواطن؟

لم يقف الحكيم عند هذا الحد، بل زاد الطين بلة بادعائه رؤيا منامية للرسول صلى الله عليه وسلم يطلب فيها التفاوض بين الجيش والدعم السريع! وهو ادعاء أثار موجة استهجان واسعة، إذ بدا كمحاولة مكشوفة لتسويق موقف سياسي مضمر عبر الكذب على النبي، وهو أمر بالغ الخطورة.

وليس غريباً على محمد هاشم الحكيم المتاجرة بالرؤى والأحلام، فليست رؤيته التي قال عنها الآن هي السابقة، فقد كتب في عام 2015م منشوراً قال فيه إنه رأى في المنام بأنه التقى بالرئيس البشير وطلب منه التصديق له بقطعة أرض مساحتها 2000 متر ألف متر ليبني عليها مسجداً، وألف متر داراً له ولأهله، فوافق والله ، وذيل منشوره بـ”دعواتكم”.
فذاكرة التاريخ لا تنسى، وذاكرة أهل السودان ليست سمكية كما يظن الحكيم الذي لا يتصف بالحكمة.

كان الأجدر بالحكيم، إن أراد التعبير عن موقفه، أن يعلنه بشجاعة، دون الحاجة لتسويق إفك منامي يعطيه غطاءً دينياً زائفاً. فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُستخدم لتبرير موقف سياسي، ولو زعم صاحبه حسن النية.

في ظل المجازر والدمار والتهجير والاغتصاب الذي يتعرض له أهل السودان، لا تزال مواقف الحكيم توحي بأنه يتبضع سياسياً من دماء الشعب فيظهر حيناً متعاطفاً مع ضحايا الحرب، ثم يعود لينحاز إلى خطاب التسوية، ملوّحاً بخيارات تخدم أطرافاً دون أخرى، وكأن الدم السوداني أصبح ورقة في بازار السياسة.

في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى رجال ثوابت، يطل علينا من يتاجر بالمبدأ، ويتنقل بين الأدوار، ويغيّر المواقف حسب اتجاه الريح.

وهكذا، يظل محمد هاشم الحكيم مثالاً حياً على لرجل الدين الانتهازي، الذي لا يثبت على موقف، ولا يستقر على مبدأ، ولا يتورع عن استخدام الدين مطية لأغراض السياسة… لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات