في زمنٍ تهاوت فيه كثير من القيم، وذابت فيه المواقف الصلبة كما يذوب الملح في الماء، يخرج علينا رجل كأنما خرج من صلب الجبال، ثابت الخطى، واضح الرؤية، عنيد في الحق، لا يلين للريح ولا يهاب العواصف. إنه الأستاذ احمد عثمان حمزة، والي ولاية الخرطوم، رجل الدولة الذي خبر دروب المسؤولية، وذاق مرارة التحديات، فخرج منها أصلب عودًا وأقوى شكيمة.
ما بين مداد الصحف وهمس المجالس، ظل اسم الرجل يتردد مقترنًا بالصبر والبصيرة. واجه ما لم يُواجهه كثير من أسلافه: أزمة دولة، وضع أمني هش، خدمات تنهار، وقوى تتجاذب الولاية كأنها غنيمة، لكنه ظل هناك، واقفًا في وجه العاصفة، لا يتراجع، لا يهادن، ولا يبحث عن ملاذ آمن.
لم يكن احمد عثمان حمزة والياً عادياً، بل كان مشروع مقاومة في وجه الانهيار، ومبادرة بناء وسط ركام الحرب. سهر مع الجنود، جالس البسطاء، أنصت لصوت الشارع، وتحمل ما لا يُحتمل في صمت الحكماء. لم يكتب خطبًا رنانة، بل ترك لأفعاله أن تكون رسالته، ولثباته أن يكون عنوانه.
في كل مرة كان يُظن أنه سينهار، كان ينهض كجبلٍ شم، يعيد ترتيب الأوراق، ويمضي بخطى واثقة نحو ما يراه صوابًا. لم يبع ضميره، ولم يتاجر بكرامة المنصب، بل حمّله مسؤولية أكبر من حدود السلطة: مسؤولية التاريخ، ومسؤولية الوفاء لأهل الخرطوم الذين عانوا ما عانوه.
لقد عبّر الرجل عن معنى الشجاعة والإقدام في زمن الصمت والتردد. لم يهرب من المعركة، ولم يختفِ خلف المكاتب، بل ظل في قلب الحدث، سندًا للفقراء، وظلاً للضعفاء، وجدارًا في وجه الانهيار. ذلك موقف نادر، لا يصنعه المنصب، بل تصنعه الأخلاق والضمير والعزيمة.
واليٌ مثله لا يُنتظر أن يرحل حتى يُكرَّم، فالتاريخ لا ينتظر نهاية السير حتى يكتب العظماء. ينبغي أن يُمنح وسام الشجاعة والإقدام، لا لأنه واجه فقط، بل لأنه بقي واقفًا حين جلس الآخرون، ولأنه اختار أن يكون صوتًا للثبات في زمن الضجيج.
صولة أخيرة:
احمد عثمان حمزة، أنت لست مجرد والٍ، بل قصة صبر، ودعامة وطنية، ودرس في الوطنية الخالصة.
أنت صولة يراع وموقف، وتاريخ يمشي بين الناس.
فلتكن صفحتك في سجل الشرف مفتوحة،
ولْنُكرمك في حياتك، كما يليق بالرجال العظماء.
ولليراع صولات أخر.