في تحول نوعي منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، برزت الطائرات المسيّرة (الدرونز) كسلاح حاسم في ميزان القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خاصة مع استعصاء الحسم العسكري وامتداد رقعة الاشتباكات إلى العمق الحضري.
خلال الأشهر الماضية، تصاعد استخدام المسيّرات في استهداف مواقع استراتيجية، لكن اللافت هو انتقالها إلى ضرب منشآت مدنية كالمطارات ومستودعات الوقود، بل وأحياء سكنية مأهولة، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وتسبب بموجات نزوح واسعة. وفي مدن مثل بورتسودان وعطبرة ونيالا، تضررت البنية التحتية، بما فيها شبكات الكهرباء والاتصالات والمرافق الصحية، وسط غياب أنظمة فعالة للإنذار أو التصدي.
ويؤكد سكان محليون وناشطون أن الضربات باتت شبه يومية في بعض المناطق، ما خلق حالة من الخوف المستمر، وتسبب في إغلاق مدارس، وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائي، وارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية.
ورغم التصريحات الرسمية التي تنفي التدخل الأجنبي، إلا أن تقارير استخباراتية أشارت إلى دعم خارجي خفي لقوات الدعم السريع، يشمل تزويدها بطائرات مسيّرة صينية الصنع من طراز “CH-95″، وتوفير التدريب والخبرة الفنية عبر وسطاء إقليميين. في المقابل، يستفيد الجيش السوداني بدوره من دعم عسكري ولوجستي من حلفاء إقليميين، ما حول السودان إلى ساحة تنافس جيوسياسي مكشوف.
هذا التدخل المتعدد المستويات أدى إلى تدويل تدريجي للنزاع، لا سيما مع استهداف منشآت حيوية في البحر الأحمر. وقد أثارت الهجمات التي طالت محيط ميناء بورتسودان، القريب من خطوط التجارة العالمية، قلقًا متزايدًا لدى القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل هشاشة البنية الأمنية للمنطقة.
ويرى مراقبون أن المسيّرات غيّرت قواعد الاشتباك، إذ وفّرت لقوات الدعم السريع قدرة على ضرب العمق دون الحاجة إلى السيطرة الميدانية، مما أضعف من تفوق الجيش التقليدي وأربك حساباته الدفاعية. كما أظهرت هذه التكتيكات هشاشة منظومات الرصد والاعتراض لدى القوات المسلحة، التي تواجه تحديًا متزايدًا في تأمين المدن والمواقع الحيوية.
في ظل غياب حل سياسي قريب، واستمرار تدفق الدعم العسكري الخارجي، تتجه البلاد نحو سيناريو استنزاف طويل الأمد. ويخشى محللون أن يؤثر استمرار هذا النمط من القتال على تماسك الدولة، ويؤدي إلى تفكك إضافي في المؤسسات، مع اتساع رقعة النزوح وارتفاع الكلفة الإنسانية.
وبينما تنشغل القوى الدولية بمواقف متباينة تجاه أطراف النزاع، تتزايد الدعوات لفرض رقابة صارمة على إمدادات السلاح، والانخراط في مفاوضات سلام جدّية، تحفظ ما تبقى من سيادة البلاد، وتضع حدًا لنزيف مدني يبدو بلا أفق.