يرتفع قدر الكلمة وتعلو مكانة قائلها في خضم الفتن والمحن والبلايا ، حين يضطرب الناس وتضيق النفوس ، فتصبح الكلمة ليست حروف تُقال، بل موقف يُبنى عليه وعي، وتُشعل به قلوب ، وتُستنهض به عزائم وتحيا به آمال . وما تمرّ به بلادنا – السودان الجريح – في حرب الكرامة، هو من أعظم الابتلاءات التي كشفت معادن الرجال، وغربلت الصفوف، وأوجبت على أهل الكلمة مسؤولية مضاعفة.
وكل من أوتي منبراً أو لساناً أو قلماً ، ليس من عامة الناس، بل هو في خندق متقدّم، يحمل الأمانة التي لا تقبل المساومة أمانة تثبيت القلوب ، وجمع الصف ، وتذكير الأمة أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن الأمر كله لله، يقضي بالحق، ويدبر بالعدل، ويبتلي ليُطهّر ويهدي ويقوّم.
لقد آن الأوان أن يعلو صوت الخطاب المتزن العقلاني ، لا خطاب التخذيل ولا التحبيط ولا الشائعات بل خطاب التحفيز وزرع الأمل الضحوك ، وغرس اليقين بأن مع العسر يسراً ، ومع المحنة منحة، وأن ما نمرّ به ليس نهاية الطريق، بل لحظة فرز وصبر وصعود. فكما أن المصائب تجمع المصابين، فإن البلاء يطهّر الأمة ويوحّد شتاتها، ويردها إلى ربها ردّا جميلاً.
يا أهل الكلمة ويا صناع الفأل ، إن التاريخ يسجّل، والله يشهد ، والناس تستمع، فكونوا ألسنة صدق ، لا أبواق فتنة أشحة على الخير تسلق الناس كأنها ألسنة حداد .. احملوا لواء التفاؤل ورايات الوعد الرباني الصادق مبشرين لا منفرين ، لا التهويل والتغبيش ، وذكّروا الناس أن الصبر على البلاء جهاد ، وأن الثبات في المحنة نصر ، وأن من ابتُلي فصبر فقد انتصر . فالسودان اليوم لا يحتاج إلى أصوات تبكي على الأطلال، بل إلى وحدة وراية يحملها من ينفخ الروح في جسدٍ أنهكته الحرب ، ويصوغ من الألم عقد أمل .. ومن رماد البندقية نهضة أمة.
إنها لحظة مفصلية، يجب أن يتوحد فيها الصف الوطني، ويجتمع فيها أهل الحق على كلمة سواء ، فليس هناك أغلى من وطن ، ولا أشرف من كرامة ، ولا أعظم من صمود شعب اختار أن يعيش مرفوع الرأس، لا راكعًا لمليشيا ولا مستسلماً لفوضى بحول من الله وقوة. وأقول لأهل السودان ثقوا بربكم، وتمسكوا بدينكم، واصبروا فإن وعد الله حق. ولأهل الكلمة أقول هذه فرصتكم لتكونوا حصناً متيناً لا يخترق ومعاول بناء لا أدوات هدم، وأقلام نور لا سهام ظلام. فالله الله في وطنكم، والله الله في أمتكم، فأنتم مرآة وعيها، وصوت أملها، ونبض كرامتها المرتجى..اللهم انصر جيشنا وأعد الأمن إلى بلادنا ..إنك سميع قريب مجيب. Elhakeem.1973@gmail.com