لن أقول “فرفرة مذبوح”، لأن المذبوح يتحرك، أما من استهدف الكهرباء فهم أشباه رجال،
جثث سياسية وأخلاقية تتحلل على هامش التاريخ، روائحهم أزكمت حتى أنوف الكلاب.
لا هم أحياء في الميدان، ولا أموات في ذاكرة الوطن.
فما حدث ويحدث ليس سوى عبث العاجزين،
من ظنّ أن بإمكانه إطفاء نور السودان بقطع سلك أو قصف محطة، نسي أن هذا الوطن لا يُنار بالكهرباء فقط،
بل يُنار بقلوب شعبه… وبإرادة لا تنكسر.
نحن في مرحلة من التاريخ لا تُقاس بالراحة، بل تُقاس بالصبر،
والصبر في السودان اليوم أصبح معركة قائمة بذاتها.
صبر على الظلام، صبر على فقدان الدواء، صبر على غياب الأمن والخدمات…
ومع ذلك، لم ينكسر الناس، بل وقفوا، كأنهم جذوع نخيل لا تنحني.
وفي قلب هذا الوطن الجريح،
تقف الفاشر، شامخة، رغم النزيف، رغم الغياب الكامل لكل مقومات الحياة.
في الفاشر، الكهرباء ليست منقطعة منذ أيام… بل منذ سنين.
في الفاشر، الماء النظيف ترفٌ، والدواء أمنية،
وفي الفاشر، الناس لا يتفرجون على الحرب من خلف الشاشات… بل يعيشونها تحت القصف، وفي خيام النزوح.
ومع ذلك، صبرهم أطول من ليل الحرب،
وثباتهم أقوى من رياح الخذلان.
ما نشهده اليوم ليس أزمة كهرباء،
بل اختبار صبر… وتمرين وطني على المعاناة.
ومن يصبر في الظلام، سيبني في النور.
هذا الصمود ما كان ليحدث لولا أن في هذا الوطن من قرر أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه.
فرئيس مجلس السيادة، لم يستسلم لحالة الحرب، بل اختار أن يُنجز، ويبني، ويعبد الطريق في غياب الضوء.
وهذا ليس مدحًا ولا تملقًا…
بل كلمة حق في زمن صار فيه الصمت شكلًا من أشكال الخيانة.
فالمسؤولية لا يحملها القادة وحدهم، بل كل من:
يزرع في أرض عطشى بلا وقود،
يعلّم جيلًا بلا كتاب،
يداوي مريضًا بلا دواء،
ويخيط جرح الوطن كل صباح بخيوط الإيمان.
القوات المسلحة السودانية، القوات المشتركة، والمواطن الصامد،
أصبحوا اليوم جيشًا واحدًا… جيشًا من كل الوطن، ومن أجل بقاء الوطن.
ولمن يسخر من انقطاع التيار، أو يستغل الظلام لنشر الإحباط، نقول:
في الفاشر، لم تنطفئ فقط المصابيح… بل انطفأت الحياة كما نعرفها.
ومع ذلك، لم تنطفئ الإرادة.
فما تعانيه الولايات الآن، هو لحظة مؤقتة،
أما ما تعانيه دارفور منذ عقود، فهو نزفٌ مفتوح لا طبيب له.
فلنصبر صبر الكرام، لا صبر اليائسين.
ولنتذكّر أن الحرب ليست فقط بالبندقية، بل بالخدمات، بالاقتصاد، وبالمعنويات.
ومن صمد في الميدان،
سيصمد في ساعة ظلام.
صبرٌ جميل… والله المستعان.
تخطّينا الكثير، وبقي القليل…
والنصر يُكتب الآن في الفاشر، في معركة الكرامة، في ملحمة التحرير.
لن تُطفأ أنوار السودان،
لأن كل شبرٍ من ترابه يضيء بقلبٍ مقاوم،
وكل روحٍ فيه جيشٌ لا يُهزم.
سلام وأمان… فالعدل ميزان.
—