مع الإنهيار الدراماتيكي لميليشيا الدعم السريع الإرهابية الذي يمكن التأريخ له بصبيحة يوم الجمعة الماضية عندما إستطاع الجيش والقوات المساندة له إستعادة القصر الجمهوري وفرض سيطرته الكاملة عليه وعلى محيطه، وما تلى ذلك من هروب واسع لما تبقى من جنود الميليشيا من جنوب غرب العاصمة الخرطوم ميممين نحو كردفان ومن ثم إلى دارفور، مع هذا الإنهيار تصبح الطريق سالكة إلى حد كبير أمام الجيش والقوات المساندة له لاستكمال النصر على تمرد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية التي فقدت كل الأراضي التي كانت تحت سيطرتها منذ بداية الحرب ما عدا مدن الجنينة في غرب دارفور، ونيالا بجنوب دارفور وأجزاء صغيرة من شمال دارفور خاصة في محيط مدينة الفاشر التي تحاول الميليشيا اقتحامها والسيطرة عليها منذ أشهر لكنها لم تستطع، وهي تراهن على الاستيلاء على الفاشر لبسط سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور لإعلان الحكومة الموازية فيها تمهيداََ لفصل الإقليم، أو على الأقل تعزيز قدراتها الهجومية بالاقليم لاستئناف أعمالها العدائية مرة أخرى .
ويشير إنهيار ميليشيا الدعم السريع الإرهابية وتسارع وتيرة هذا الإنهيار بُعيد سيطرة الجيش والقوات المساندة له على القصر، يشير إلى أن القوة المركزية الصلبة للميليشيا كانت متمركزة بشكل أساسي في القصر الجمهوري ومحيطه في دائرة يمثل موقع القصر فيها المركز.
وبإنهيار هذه النقطة إنفرط عقد الميليشيا وتداعت بقية قواتها المنتشرة حول هذا المحيط أمام ضربات الجيش والقوات المساندة له ونيرانها الكثيفة عليها من المسافة صفر، مما خلف أعداداََ كبيرة من القتلى والمصابين والأسرى، والفارين خارج هذا المحيط نحو الجنوب الغربي من العاصمة.
ويعزز من هذه الفرضية بأن القوة الصلبة للميليشيا كانت تتمركز في هذا المحيط هو ما تم الكشف عنه بواسطة الجيش من مخازن للأسلحة الثقيلة النوعية والحديثة وأجهزة التشويش المتقدمة التي تم العثور عليها في مقار مختلفة داخل محيط القصر الجمهوري ، حيث يقول خبراء عسكريين أنها كانت كفيلة بتمكين الميليشيا الإرهابية من صد أي هجوم عليها مهما كان حجمه واستمرار بقاءها في هذه المنطقة لوقت أطول.
لكن ذلك لم يحدث، بل جاء الانهيار سريعاََ ومفاجئاََ للجميع، بالنظر إلى تأكيدات قائد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمرد حميدتي قبل أيام قلائل من سقوط القصر في أيدي الجيش بأن قواته لن تخرج من القصر وأن الجيش لن ينتصر في معركة القصر وأن هناك مفاجأة قد أعدتها قواته للجيش..
وهو ما يثير التساؤلات حول السبب وراء ذلك الإنهيار السريع ، هل هو إنعدام أو ضعف كفاءة عناصر الميليشيا في إستخدام هذه الأسلحة النوعية المتقدمة، أم أن الحصار الذي ضربه الجيش والقوات المساندة له على هذه القوات قبل الهجوم على القصر بأسابيع كان له الأثر الحاسم بإنقطاع الإمدادات من المؤن الغذائية، أم أن كل تلك الأسباب مجتمعة أدت إلى الانهيار الكبير، وأن وعيد قائد الميليشيا كان مجرد حديث لرفع الروح المعنوية لقواته وهي تتأهب لصد هجوم الجيش..
أياََ كان الأمر فالواقع على الأرض يقول إن ميليشيا الدعم السريع الإرهابية قد تلقت هزيمة نكراء وفقدت موقعاََ مهماََ كان يمنحها وجوداََ نوعياََ في موضع القلب من السودان، وقد وصفت الخارجية الأمريكية إستعادة الجيش للقصر الجمهوري بالحدث المهم في مسار الحرب في السودان.
وبهذا يكون قد إنطوى فصل مهم من فصول الحرب التي امتدت لعامين، ويتبقى الفصل الأخير منها والذي سيكون مسرحه إقليم دارفور.
وبقراءة للمشهد الحالي على الصعيد العسكري وما لم تحدث متغيرات أو تستجد مستجدات تقلب ميزان القوة العسكري الراهن ما بين الميليشيا من جهة، والجيش والقوات المساندة له من جهة أخرى وتحركه في إتجاه غير الذي هو عليه الآن، فإن إستمرار الجيش والقوات المساندة له في تكبيد الميليشيا الإرهابية الخسائر وإلحاق مزيد من الهزائم بها هو الراجح والمتوقع لعدة أسباب..
- أولاََ فقدت الميليشيا في معركة الخرطوم الكثير من قواتها، والكثير أيضاً من عتادها العسكري، بجانب فقدانها لمواقع استراتيجية مهمة كانت تستخدمها كمنصات لقصف مواقع الجيش والمواقع المدنية الحيوية بالعاصمة والولايات عبر المدافع وعبر الطائرات المسيرة..
- بالمقابل غنِم الجيش السوداني معدات وآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة وخفيفة ومنظومات تشويش حديثة كانت في حوزة الميليشيا ، فضلاً عن ارتفاع الروح المعنوية لأفراد الجيش والقوات المساندة له وتصميمهم على الإستمرار في المواجهة والقتال في آخر معاقل الميليشيا الإرهابية .
- فقدان الميليشيا لمضادات الطيران ذات الفاعلية لوقف هجمات سلاح الطيران، الذي ستكون له اليد العليا في معركة دارفور، حيث ستكون ميليشيا الدعم السريع مكشوفة بالكامل لطيران الجيش وهدفاََ سهلاً له.
- مع انتهاء معركة الخرطوم إنتهت حرب المدن التي كان لميليشيا لدعم السريع فيها تفوق نسبي بسبب الطبيعة القتالية لهذه القوات التي تقوم على تكتيك Hit and Run ، والحركة السريعة والاختباء في الأعيان المدنية واتخاذ المدنيين دروعاََ بشرية، واعتماد هذه القوات على ما يعرف عندها ب (الفزع). وهذا النوع من القتال يعيق حركة الجيوش النظامية المحترفة التي تدربت على الحروب النظامية التي تكون بين الدول وتستخدم فيها كافة الأسلحة والقوى المميتة. وبخروج المواجهات خارج العاصمة فقدت ميليشيا الدعم السريع هذه الميزة تماماََ.
- القوات المشتركة والتي تقاتل تحت إمرة الجيش السوداني لها خبرة واسعة وكبيرة في حرب الصحراء بحكم خبرتها الطويلة لأكثر من عشرين عاماََ في خوض هذا النوع من الحروب وهي الخصم الأكبر لميليشيا الدعم السريع، هذه القوات مسنودة بقيادة الجيش تستطيع حسم المعركة في وقت وجيز فهي تعرف جيداََ طريقة الميليشيا الإرهابية في القتال فضلاََ عن إحاطتها بجغرافيا وتضاريس دارفور. وقد حاولت قيادات رفيعة بميليشيا الدعم السريع في وقت سابق استمالة هذه القوات لصفها أو تحييدها بوعود مغرية بشأن السلطة والثروة وذلك تفادياََ لمواجهتها، ولكن يُجْدِ ذلك نفعاََ.
- بالنسبة للجيش والقوات المساندة له فإن المرحلة الأصعب قد انقضت بانتصاره فيها وأن ما تبقى هو الأسهل ، بينما العكس صحيح بالنسبة لميليشيا الدعم السريع فإن المرحلة الأسهل إنتهت بهزيمتها، وأن ما تبقى لها هو الأصعب.. هذه هي المعادلة الراهنة..
وهكذا أصبحت كل الخيارات أمام ميليشيا الدعم السريع وهي تتأهب لخوض آخر المعارك صعبة، فإما تخوضها بوضعه الراهن الضعيف والنتيجة الراجحة الهزيمة ، وإما أن تستسلم، وإما أن تعبر الحدود الغربية إلى خارج السودان وكل هذه الخيارات عنوانها العريض هو (الهزيمة).