مؤشرات لتتويج التقارب الاستراتيجي والاقتصادي بينهما،،
السـودان وروسيا،، الاقتـراب نحو الهـدف..
تدوير وزخم إعلامي كبير لمخرجات زيارة وزير الخارجية إلى روسيا..
موسكو (قدّمت السبت) وتنتظر من الخرطوم خطوة عقب زيارة الوزير إلى روسيا..
روسيا سترفض ميثاق نيروبي، والحكومة الموازية، وكل ما يمس سيادة السودان..
هل يحتفي البلدان بتوقيع الاتفاقيات الاستراتيجية تزامناً مع نهاية الحرب؟..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
مع اقتراب عقارب ساعة الحرب من الوصول إلى النهايات التي ترجوها القوات المسلحة والقوات المساعدة لها بسحق ميليشيا الدعم السريع ومحوها من المشهد، عادت إلى الواجهة سيرة التقارب السوداني الروسي وفقاً لمعطيات ماثلة من قبل وزير الخارجية السفير علي يوسف الشريف الذي أنهى زيارة ناجحة إلى موسكو منتصف فبراير الماضي 2025م، توصل من خلالها إلى العديد من النتائج المبشرة لتعزيز التعاون المشترك ما بين الخرطوم وموسكو، وكشف وزير الخارجية في حواره مع قناة (البي البي سي) البريطانية، بعض ملامح الاتفاق الذي تم بشأن الوجود الروسي على البحر الأحمر، حيث قال الوزير علي يوسف إن الاتفاق قديم وهو يختص بمنطقة لتقديم الخدمات للسفن الروسية، لافتاً إلى أن الاتفاق يجب أن يصادق عليه البرلمان المنتخب، واصفاً العلاقات السودانية الروسية بالجيدة، وكان البلدان قد أعلنا في فبراير الماضي التوصل إلى تفاهم متبادل بشأن قضية بناء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان حسب ما أفاد وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف عقب ختام مباحثاته مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في العاصمة الروسية موسكو، ونشير إلى أن السودان ورسيا كانا قد وقّعا في العام 2019م، على اتفاقية بشأن إنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان، حيث يفترض أن يستضيف هذا المركز حوالي 300 جندي روسي، ويزوّد سفنها لها بالوقود.
مواقف عصيبة:
وواجه السودان مواقف عصيبة في بواكير تمرد ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، من حيث النقص الحاد في العدة والعتاد الحربي، في وقت ظلت فيه الميليشيا المتمردة تتلقى الدعم والعون والإسناد من عديد المحاور الإقليمية والدولية، فلم يجد السودان بُدَّاً من التوجه شرقاً لضخ الدماء مجدداً في شرايين تحالفاته القديمة مع روسيا، فشهدت الفترة من أبريل 2024م وحتى فبراير 2025م نشاطاً مكثفاً لتبادل الزيارات بين المسؤولين رفيعي المستوى في البلدين، بدأها نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، بزيارة تأريخية إلى بورتسودان، حيث أكد موقف روسيا الداعم للشرعية السودانية ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي، ولم تنتهِ زيارة المبعوث الروسي، حتى كان نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار قد حط رحله في مدينة سانت بطرسبورغ مشاركاً في المنتدى الاقتصادي الدولي الذي عقد في يونيو من العام 2024م، حيث تواصل عقار من خلال منصة المنتدى مع مسؤولين روس في مقدمتهم وزير الخارجية سيرجي لافروف الذي التقى الوفد السوداني وأعرب عن قلق موسكو من تداعيات الحرب في السودان، واستعدادها للمساعدة في حل الأزمة، فيما طلب الوفد مساعدة روسيا ودعمها الاقتصادي والاستراتيجي.
صداقة وشراكة فاعلة:
وبحسب مراقبين فإن التقارب الذي طرأ على علاقة السودان بروسيا قد أثمر عن مواقف روسية داعمة للسودان في المنابر الدولية، وليس أدلَّ من ذلك استخدام روسيا لحق النقض ( الڤيتو) في نوفمبر من العام الماضي 2024م ضد مشروع قرار بريطاني سيراليوني مشترك، حيث نجح (الڤيتو ) الروسي في إفشال اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً بشأن السودان يطالب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع باحترام التزاماتها في إعلان جدة بشأن حماية المدنيين وتنفيذها بشكل كامل، بما في ذلك اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، وهو ما اعتبرته محاولة من بريطانيا لإيجاد منفذ لها وسانحة طيبة تتيح لها التدخل في شؤون السودان ومواصلة الهندسة السياسية والاجتماعية، وبهذا (الڤيتو) تكون روسيا قد (قدمت السبت)، وستقدم الأحد برفض ميثاق نيروبي السياسي وعدم الاعتراف بالحكومة الموازية، وستقف حجر عثرة أمام أي موقف يمس سيادة السودان حتى لو دعا الأمر إلى استخدام حق النقض (الڤيتو) مثنى وثلاث ورباع، وعلى السودان أن يقابل الإحسان بالإحسان ويبرهن حقيقة أنه قد حزم أمره تماماً للتعاطي مع الدب الروسي منطلقاً من مبدأ تعزيز التعاون المشترك، وإعلاء مصالح البلاد العليا، ولعل زيارة وزير الخارجية السوداني إلى روسيا وما أعقب الزيارة من تصريحات وإعادة تدوير لهذه التصريحات، تؤكد أن السودان قد وضع في بريد الروس رسالة مفادها: فلنمضي قدماً لتتويج هذا التقارب بالتوقيع على اتفاقيات تعاون مشترك في المجالات العسكرية والاستراتيجية والتعاون الاقتصادي، باعتبار أن السودان ينظر إلى روسيا كصديق قوي لحماية المصالح المشترك، وشريك فاعل في مرحلة بناء وإعمار ما دمرته الحرب.
تلهف روسي:
وتبدو روسيا حالياً متلهفة أكثر من أي وقت مضى لإيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر سواءً ببناء منطقة حرة، أو تفعيل اتفاق مركز الدعم اللوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان، أو بتحقيق حلمها الكبير ببناء قاعدة بحرية في بورتسودان تمكنها من استعادة وجودها في المنطقة الأفريقية من خلال إطلالتها على البحر الأحمر الذي يتيح لها الوصول إلى المحيط الهندي، وهو أمر يصفه مراقبون بالخطوة الكبيرة التي تساعد موسكو على زيادة القدرات والإمكانيات التشغيلية للأسطول الروسي، وبالتالي فإن موسكو ستسارع الخطى من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المباحثات التي أجراها وزير الخارجية السوداني السفير علي يوسف الشريف، مع نظيره الروسي سيرجي لافروف قبل نحو ثلاثة أسابيع في العاصمة موسكو وخاصة قضية بناء القاعدة العسكرية التي تكتسب أهميتها الكبرى والقصوى عند الدب الروسي بعد سقوط نظام حليفها في الشرق الأوسط بشار الأسد.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإن إعادة تدوير مخرجات المباحثات الرسمية التي أجراها وزيرا الخارجية السوداني، ونظيره الروسي في موسكو منتصف فبراير الماضي، ليست سوى ( قيدومة) لحفل التوقيع الكبير الذي تنتظره الخرطوم وموسكو خدمةً لتعاونهما المشترك، ومصالحهما الاستراتيجية، ذلك أن تجربة السودان خلال حرب الكرامة الوجودية قد كشفت له أعداءه من أصدقائه، ومن هذا المنطلق سيمضي بوصفه دولة محورية، لها الحق في بناء علاقات مميزة ومتميزة مع من تراه مراعياً لسيادتها، وملتزماً بتعهداته تجاهها، ومن يملك قراره وموارده، يملك قوته في التعاطي مع من يشاء، وكيف يشاء، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.