في وقتٍ يترقب فيه الشعب السوداني مآلات الحرب ويبحث عن بريق أمل يعيد للوطن استقراره، تبرز مجددًا محاولات لإعادة إنتاج الأزمة من خلال اتفاقاتٍ سياسية تُطرح هنا وهناك، دون أن تضع في اعتبارها جوهر المأساة وحقوق الضحايا.
لقد قال الشعب السوداني كلمته الحاسمة في حرب الكرامة، حين اصطف خلف قواته المسلحة دفاعًا عن الأرض والعِرض، ورفض أن يُختطف الوطن بأيدي المليشيات أو تجار السياسة. فالموقف الشعبي لم يكن عابرًا، بل جاء عن وعيٍ وطنيٍّ متجذر، وإدراكٍ بأن حماية السودان مسؤولية كل سوداني حر.
تدفقت النفرة الشعبية، والتحق الآلاف من أبناء الوطن بالمستنفرين دعمًا للقوات المسلحة، مؤكدين أن السودان لا يُهزم طالما أبناؤه متوحدون خلف جيشه.
واليوم، حين يتحدث البعض عن اتفاقاتٍ قد تعيد تلك المجموعة السياسية التي تورطت في إشعال الحرب وساهمت في تمزيق البلاد، دون محاسبةٍ أو مساءلة، فإن ذلك يعد استخفافًا بدماء الشهداء وحقوق المغتصبات والمفقودين والمنكوبين.
إن العدالة هي الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه أي اتفاقٍ أو تسوية. فلا سلام حقيقي دون إنصافٍ للضحايا، ولا استقرار دائم دون ردٍّ للحقوق ومحاسبة كل من تسبب في إشعال نار الفتنة، سواء كان من الدعم السريع أو من الساسة الذين خططوا وموّلوا هذه الكارثة الوطنية.
الشعب السوداني اليوم لا يطلب الانتقام، بل العدالة والكرامة. يريد وطنًا يسوده السلام القائم على الحق، لا سلام الصفقات والمصالح. فالمصالحة الوطنية لا يمكن أن تُبنى على تجاهل الجرائم أو القفز فوق الألم.
ولذلك نقولها بوضوح:
الردة مستحيلة يا برهان.
لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، ولن يُمحى التاريخ من ذاكرة هذا الشعب الذي قدّم التضحيات وصمد في وجه المؤامرة.
إن بناء السودان الجديد يبدأ من المحاسبة قبل التسوية، والعدالة قبل العفو، لأن من خان الوطن لا يمكن أن يكون شريكًا في رسم مستقبله.
آخر الكلام:
الردة مستحيلة يا برهان…
فالسودان الذي انتصر في حرب الكرامة، لن يُهزم في معركة الوعي والحق.
