السبت, أكتوبر 4, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة... ...

زاوية خاصة… ملف المفقودين المدنيين… جرح نازف في جسد الوطن بقلم/ نايلة علي محمد الخليفة

منذ أن أشعلت مجموعة آل دقلو الإرهابية وحلفاؤها من سياسي الداخل نار الحرب ، تحولت حياة آلاف السودانيين إلى جحيم لا يُطاق ، لم تكن حرباً بالمعنى العسكري المعروف ، حيث تتواجه الجيوش النظامية في ميدان قتال محدد ، بل كانت حرباً على المدنيين العزل في بيوتهم ، في شوارعهم ، وحتى في ملاذاتهم الآمنة ، في مؤسساتهم الخدمية ، تحوّل المواطن السوداني إلى “هدف مشروع” في نظر المليشيا ، فالمداهمات ، والاعتقالات العشوائية ، والاختطافات المنظمة أصبحت جزءاً من يوميات حرب المليشيا.

المليشيا لم تكتفِ بالاشتباك مع القوات المسلحة ، بل وسّعت دوائر استهدافها لتشمل النساء ، الشيوخ ، الأطفال ، والشباب ، آلاف المدنيين اختفوا من الشوارع ، ومن داخل منازلهم ، وأُخذوا قسراً تحت تهديد السلاح إلى أماكن اعتقال مجهولة ، لا تتوفر فيها أدنى مقومات الإنسانية ، الناجون القلائل الذين خرجوا من تلك المخابئ السوداء ، تحدثوا عن ظروف مأساوية يصعب على العقل تصديقها تعذيب ، قتل ، إهانة ، حرمان من الطعام والماء ، وإذلال مستمر.

لقد تخصصت هذه المليشيا في تحويل المدنيين إلى رهائن حرب ، فاختطاف الناس من الشوارع والبيوت لم يكن مجرد أداة عابرة للترهيب ، بل أصبح سياسة ممنهجة لإذلال الأسر والمجتمع بأكمله ، النساء والفتيات كنّ الضحية الأكثر استهدافاً ، حيث كانت المليشيا تتعمد اقتيادهن قسراً لإحداث صدمة اجتماعية وألم مضاعف ، إذ تعلم أن خطف امرأة في مجتمع محافظ يوازي تدمير أسرة بكاملها ، بذلك حوّلت المليشيا جسد المرأة وكرامتها إلى ساحة حرب أخرى ، أشد إيلاماً وأكثر قسوة من رصاص المعارك.

اليوم وبعد تحرير ولايات كبرى مثل سنار والجزيرة والخرطوم ، لا تزال عشرات الأسر السودانية تعيش مأساة الفقدان ، لم يعرفوا مصير أحباؤهم هل تمت تصفيتهم ، أم تم ترحيلهم إلى مناطق أخرى تسيطر عليها المليشيا ، الغياب المزدوج حضور دائم في قلوب الأسر ، وغياب مطلق في الواقع ، يخلق عذاباً لا ينتهي.

عشرات الأمهات والآباء ، الأخوان والاخوات ، الاهل والمعارف ، يقضون نهارهم ولياليهم يتنقلون بين صفحات “مفقود وتائهون”، تلك المنصات التي تحولت إلى بيوت افتراضية للبحث عن المفقودين ، أسماء ، صور ، تواريخ ، نداءات استغاثة ، كلها تملأ الفضاء الإلكتروني ، لكنها تصطدم بجدار صمت الدولة والمنظمات التي يبدو أنها عاجزة ، أو متجاهلة ، لهذا الملف الإنساني الثقيل.

الأشد قسوة هو ملف النساء والفتيات المفقودات ، كثير من الأسر تخشى الحديث علناً عن اختطاف بناتهن ، خوفاً من الوصمة الاجتماعية ، مجتمع تقليدي ومحافظ ، مثل المجتمع السوداني يجعل من البوح بهذه الحقيقة عبئاً مضاعفاً ، فالأم التي فقدت ابنتها لا تجد من يواسيها ، والأب يخشى أن يتحول الألم إلى عار اجتماعي ، والأخ يعيش بين جرح الفقد وخوف الفضيحة.

هذا الصمت المفروض اجتماعياً ، يجعل من قضية النساء المختفيات أكثر تعقيداً وغموضاً ، إنهن ضحايا مرتين ، مرة حين اقتادتهن المليشيا بالقوة ، ومرة حين عجزت أسرهن عن إعلان مأساتهن صراحة.

في ظل هذا النزيف الإنساني ، تغيب الدولة عن دورها في متابعة هذا الملف ، فلا توجد إحصاءات دقيقة ، ولا لجان تحقيق جادة ، ولا صوت رسمي يحمل هم الأسر المفجوعة ، كذلك تبدو المنظمات الدولية والحقوقية في حالة من الغياب أو التباطؤ او التواطؤ، وكأن المفقودين السودانيين أقل قيمة من غيرهم في ساحات النزاعات الأخرى.

ملف المفقودين ليس ملفاً سياسياً يمكن تأجيله أو المساومة عليه ، بل هو ملف إنساني بامتياز ، هؤلاء المفقودون أحياء في قلوب أسرهم ، وأمل العودة لا يزال يضيء عيون الأمهات رغم القهر والخذلان ، إن فتح هذا الملف بشجاعة وشفافية واجب أخلاقي قبل أن يكون التزاماً قانونياً.

وحتى يتحقق ذلك ، يبقى السؤال مؤرقاً ، كم من الوقت ستظل آلاف الأسر السودانية تعيش بين نارين نار الغياب ، ونار الصمت؟…لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات