السبت, سبتمبر 27, 2025
الرئيسيةمقالاتحصار الفاشر جرائم ممنهجة بصمت دولي وتواطؤ إقليمي. بقلم/ د.رجاء عبدالله...

حصار الفاشر جرائم ممنهجة بصمت دولي وتواطؤ إقليمي. بقلم/ د.رجاء عبدالله حمد الزبير

يُعيد الحصار المفروض على مدينة الفاشر،المستمر منذ عام
وأربعة أشهر، مشاهد قاتمة من فصول الحروب القديمة ،حيث
تعيش المدينة نحو 500 يوم من المعاناة المتواصلة.
غير أن هذا الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع المتمردة
لا يُعد مجرد تكتيك عسكري يهدف إلى الضغط على القوات
المسلحة بل يمثل جريمة ممنهجة ضد السكان المدنيين،ترقى
إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ،وفقاً لاحكام القانون
الدولي الإنساني ،
والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ورغم عدم وجود تعريف صريح للحصار في القانون الدولي
الإنساني إلا أن جوهره تمثل في عزل الخصم ومنع الإمدادات
عنه ،وقد أصبح هذا التكتيك اليوم خاصة في النزاعات
المسلحة غير الدولية ، موجهاً لإستهداف السكان المدنيين
بصورة مباشرة ،وليس كأداة لمحاصرة الخصم العسكري.

وتؤكد المادة (14) من البروتوكول الإضافي الثاني لإتفاقيات جنيف
المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية ،على حظر
استخدام التجويع كسلاح ضد السكان المدنيين،بإعتباره
من أساليب القتال ،بما في ذلك عرقلة وصول المواد الغذائية
والمياه والأدوية ،وقد أصبح هذا المبدأ جزءاً من القانون الدولي
الإنساني العرفي كما ورد في القاعدة (53) التي تحظر تجويع السكان
المدنيين في النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية.

وبحسب الوقائع على الأرض ،وتحقيق صحفي أجرته صحيفة
واشنطن بوست للصحفية كاثرين هوريلد ،فإن مدينة الفاشر
تخضع لحصار شامل تفرضه قوات الدعم السريع المتمرده،
يتضمن قطع الإمدادات الغذائية والطبية،وقصفاً ممنهجاً على
المرافق الحيوية،بما فيها المستشفيات ومحطات المياه
والأسواق ،كما تُمنع حركة المدنيين من الخروج،بسبب
إقامة متاريس ترابية بطول (31) كيلو متراً لعزل المدينة تماماً ًعن
محيطها.وقد تسبب هذا الحصار في تفشي المجاعة ،بين أكثر من
مليوني مدني داخل المدينة،حيث تعاني الأسر من نقص حاد
في إمدادات الغذاء والمياه والدواء وإضطر كثير منهم إلى أكل أوراق الأشجار،وعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة ، وفي
ظل شبه إنعدام للرعاية الصحية تفشى وباء الكوليرا بين
السكان المنهكين، مما زاد من حدة الأزمة الإنسانية.
وقد تسببت الأوضاع المأساوية في نزوح أكثر من 600 ألف
مدني من الفاشر ومحيطها خلال الأشهر الستة عشر الماضية
ووثقت حالات إعتداء جنسي وقتل بحق النساء والاطفال
أثناء محاولات الهروب،بالإضافة إلى استخدام المدفعية
والطائرات المسيرة في قصف أهداف مدنية داخل مدينة
الفاشر شملت حتى دور العبادة حيث قتل مدنيون أثناء
أداء صلاة الفجر في المسجد .

تُشير هذه الإنتهاكات إلى خروقات جسيمة لقواعد القانون
الدولي الإنساني، وعلى رأسها مبدأ التمييز بين الاهداف
المدنية والعسكرية ،
ومبدأ التناسب في استخدام القوة
إضافة إلى الحظر الصريح للعقوبات الجماعية ضد
المدنيين.وحظر الإرهاب وترويع السكان .
ويُعد تجويع المدنيين عمداً ،وإلحاق معاناة كبيرة بهم،أو
إحداث إصابات جسدية ونفسية خطيرة،من الجرائم
ضد الإنسانيةكما أن منع إجلاء المدنيين وعرقلة وصول
المساعدات الإنسانية،يُشكل خرقاً واضحا ًللمادة
(18) من البروتوكول الإضافي الثاني لإتفاقيات جنيف.

ولا يختلف حصار الفاشر ،من حيث طبيعته وأهدافه
عن حصار سراييفو بين عامي (1992-1996)
حيث استخدمت القوات الصربية أسلوب القصف
العشوائي والتجويع الممنهج مما أعتبرته
المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة جريمة
حرب ،كما يتقاطع في كثير من ملامحه مع حصار
مدينة حلب في سوريا حيث استُخدم
الحصار والتجويع كأداة للضغط السياسي والعسكري.

وما يزيد من فظاعة الوضع في الفاشر ،هو غياب
أي آليات محاسبة فاعلة وسط تواطؤ إقليمي واضح
يتجلى في الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع
إلى جانب تقاعس المجتمع الدولي عن التحرك
الجاد لوقف الكارثة، وبذلك لم يُعد الحصار
مجرد استراتيجية عسكرية مؤقتة،بل تحول
إلى أداة ممنهجة لتدمير المدن من الداخل
وتجويع السكان حتى الإستسلام او الهلاك.

ورغم كل ذلك،لا تزال الفاشر تقاوم ،بعد أن صمدت
في وجه الحرب ، وهي اليوم تواجه معركة أكثر قسوة
ضد الجوع والموت والتجاهل الدولي.

إن مسؤولية حماية المدنيين في مثل هذه الظروف
لا تقع على عاتق الدولة فحسب،بل على ضمير
الإنسانية جمعاء،والمجتمع الدولي لا يملك رفاهية
الصمت أمام هذه الجرائم .

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات