لم يكن السودان يومًا بعيدًا عن دائرة الضوء في محيطه الإقليمي والدولي، غير أنّ ما شهدته البلاد من حرب الكرامة ضد مليشيات آل دقلو وضعها في قلب معركة الوجود ذاته فقد قدّم الجيش السوداني تضحيات جسامًا على الأرض، وسجّل انتصارات مشرّفة في ميادين القتال، لكنّ النصر العسكري وحده – مهما تعاظم – يبقى منقوصًا إذا لم يواكبه نصر آخر في ميدان الدبلوماسية.
إن تعيين وزير للخارجية في حكومة الأمل لا يعدّ إجراءً بروتوكوليًا أو تفصيلاً إداريًا، بل هو استكمال للبنة أساسية في صرح الدولة السودانية. فالوزير ليس شخصًا بعينه بقدر ما هو رمز لحضور السودان الرسمي على طاولة العالم، وواجهة تعبّر عن صوت الوطن في أروقة الأمم المتحدة ومجالس حقوق الإنسان والهيئات الإقليمية، والعواصم المؤثرة.
لقد ارتكبت مليشيات آل دقلو من الجرائم والانتهاكات ما يندى له جبين الإنسانية.. قتلٌ وتدميرٌ وتهجير، واعتداءات ممنهجة على البنى التحتية، وممارسات ترتقي إلى مصاف جرائم الحرب والإبادة. وهذه الجرائم لا يكفي أن تبقى في حدود التداول المحلي أو في ذاكرة الضحايا وحدهم إنما يجب أن تُوثّق للتاريخ وتُرفع إلى المجتمع الدولي، ويُعمل على محاسبة مرتكبيها. وهنا تتجلى المسؤولية الدبلوماسية كجبهة موازية لساحات القتال.
إن الوزير الجديد، أيًا كان اسمه، هو حامل لواء هذه المعركة السياسية والقانونية في رحاب الدبلوماسية الطاهر ، يسعى لإقناع العالم بعدالة قضية السودان، ويستنهض الضمير الدولي لمساندة شعبه، ويحوّل تضحيات المقاتلين على الأرض إلى مكاسب دبلوماسية تحصّن الدولة وتُعزّز موقفها الاستراتيجي. فالنصر في قاعات التفاوض لا يقل قداسة عن النصر في ساحات المواجهة.
بهذا التعيين تكتمل المنظومة فحكومة الأمل لم تعد حكومة معركة عسكرية وحسب، بل باتت حكومة معركة وجود سياسي ودبلوماسي وأخلاقي. ومع اكتمال هذه الحلقة، يشرع السودان أبواب المستقبل الواعد أمامه ، مستقبل الانتصارات الشاملة بإذن الله تعالى التي تعيد له مكانته وهيبته، وتؤكد للعالم أنّ صوت الحق لا يُخرسه الرصاص، وأن عدالة الشعوب لا يغمرها غبار المليشيات.
إنها خطوة تحمل في طياتها دلالات عميقة وهي أن السودان لا يقاتل فقط ليدافع عن أرضه، بل ليُعلن عن نفسه من جديد كدولة قادرة على فرض حضورها، وقيادة دبلوماسيتها، ورسم ملامح فجرٍ قادم يليق بشعب قدّم الدم فداءً للحرية والكرامة. زElhakeem.1973@gmail.com