في وقت تُدك فيه المدن، وتُطمس الحقائق، وتُغتال الرواية الوطنية عبر الإعلام الخارجي، يبدو المشهد السوداني خاليًا من صوت رسمي يحمي الرأي العام من الفوضى المعلوماتية. واللافت أن وزير الإعلام، الأستاذ خالد الأعيسر، يكاد يكون غائبًا بالكامل عن مشهد الإعلام السوداني، وكأن الوزارة بلا رأس، أو كأن المنصب بات مجرد توقيع إداري بلا قرار أو موقف.
إعلام بلا ربان
حين تكون البلاد في حالة حرب، فإن وزارة الإعلام تُصبح أحد أهم خطوط الدفاع. فالإعلام ليس ترفًا ولا وسيلة تزيين المشهد، بل هو سلاح أخطر من الرصاص، به تُبنى المعنويات أو تُحطم، تُصنع الانتصارات أو تُشوَّه الحقائق.
لكن ماذا يفعل الأعيسر في هذه اللحظة المفصلية؟
لا مؤتمر صحفي، لا خطط إعلامية وطنية، لا مواجهة مباشرة مع القنوات المضللة، ولا حتى ظهور رمزي يوضح موقف الدولة السودانية.
قنوات مشبوهة.. بلا رد!
القنوات الأجنبية – وعلى رأسها قناة الحدث – تمارس دورًا خطيرًا في تزييف وعي الشارع السوداني، عبر انحياز سافر لقوات الدعم السريع، وتمرير معلومات غير دقيقة، وبث دعاية سياسية موجهة.
ورغم هذا، لم نسمع من الوزير حتى استنكارًا أو توضيحًا رسميًا، وكأن ما يُبث لا يعني السودان ولا حكومته!
فهل يُعقل أن تُترك هذه المساحات الخطيرة دون رقابة؟ دون ترخيص واضح؟ دون طرد أو تحجيم؟
أم أن الأعيسر يواجه “تعقيدات فوق طاقته”؟ أو أنه ببساطة لا يملك أدوات الفعل؟
وزارة إعلام أم واجهة شكلية؟
غياب الأعيسر لا يُفسر فقط بعدم الظهور، بل بعدم الفعل. فالمشهد الإعلامي السوداني اليوم يعيش أسوأ فوضى منذ عقود:
الإعلام الرسمي مُهمش.
المنصات الوطنية مُشتتة وضعيفة.
الرواية السودانية غائبة عن الفضاء الدولي.
والقنوات الأجنبية تتحكم في عقل المواطن دون رقيب.
هل هو تواطؤ؟ أم تقصير؟ أم خوف؟
يبقى السؤال مفتوحًا:
هل الأعيسر عاجز فعلًا؟
هل هو مجرد اسم بلا صلاحيات؟
أم أن هناك تواطؤًا غير معلن مع تيارات تُريد غياب الإعلام الوطني كي تستفرد بالرأي العام؟
ما نعلمه يقينًا أن الوزير مسؤول، وإن كان عاجزًا فليصارح الشعب، وإن كان مقيدًا فليكشف من يقيده، وإن كان ساكتًا عن قناعة، فليُحاسب سياسيًا وأخلاقيًا.
آخر الكلام
الإعلام في الحرب هو جبهة قائمة بذاتها، ولا يجوز أن يُترك في مهب رياح الخارج.
وإن كان الأعيسر أصبح عسيرًا على الإعلام، فليُقال، ولتُعاد هيكلة الوزارة فورًا، قبل أن نخسر المعركة ليس في الميدان فقط، بل في عقول الناس وضمائرهم.