وجود النساء في الوسائط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي لم يعد أمراً غريباً أو مستهجناً كما يظن البعض، بل أصبح واقعاً طبيعياً يفرضه التطور وتؤكده أدوار المرأة المتزايدة في المجتمع.
لكن رغم هذا الحضور المشرف، لا تزال بعض الأصوات تنظر إلى تواجد نون النسوة في الميديا نظرة مشوهة، تختزل وجود المرأة في التجاذب مع الرجال أو الثرثرة التي لا طائل منها، وهنا لا ننكر أن هناك فئة كما هو الحال في كل مجتمع تُسيء الاستخدام وتقدم صورة سطحية أو مبتذلة لا تليق، لكن المشكلة الحقيقية حين يُعمم هذا النموذج على كل النساء، ويُختزل حضور المرأة في الهامش.
وما يزيد الطين بلة، أن بعض ضعاف النفوس من الرجال ما زالوا يرون المرأة في الفضاء الرقمي ككائن خُلق للأنس و”الحنك النضيف” و”الخلط”، فتبدأ المعاكسات وتتصاعد، ويُصر البعض على التطفل والملاحقة الإلكترونية ، وغالباً ما يبدأ هذا التطفل بالدخول إلى الخاص، تحت غطاء الإعجاب بما تكتب، ثم محاولة التعارف، والولوج إلى عالم خصوصياتها بالأسئلة المملة، وانتهاك المساحة الشخصية دون احترام أو وازع. وهنا تجد المرأة نفسها مضطرة إلى أن تلجم المتطفل أو تحظره كتعبير عن رفضها لسلوكه.
ليست كل امرأة تتفاعل في الميديا تبحث عن فراغ أو علاقة أو فرصة تفك اللجام ، كما يظن البعض حين تبدأ الرسائل من لا شيء. فبعض حواءات اليوم بفكرهن وقيمهن وشغفهن، يَفُقن رجالاً في الوعي والرسالة. هن يقدمن محتوى هادفاً، ويشاركن في التنوير، ويكتبن، ويُناقشن، وينقلن صوت المجتمع الحقيقي، لا صوت الفلتر والمكياج.
فهناك من بين النساء في الميديا صحفيات ينقلن وجع الناس وقصصهم، وباحثات يساهمن في تطوير المعرفة، وكاتبات يُصغن واقعاً مختلفاً بكلماتهن، ومربيات يوجّهن ويرشدن، ومواطنات لهن آراء ومواقف تُحسب لا تُهمل. هذا التنوع في الأدوار لا يمكن تجاهله، ولا يمكن إنكاره بجرّة حكم مسبق.
الخطأ الكبير الذي يرتكبه بعض الرجال هو الظن أن كل تواجد نسائي في الفضاء الرقمي يعني دعوة مفتوحة للعبث أو المغازلة أو بناء علاقات تحت الطاولة، وهذا ناتج من فهم قاصر للدور الحقيقي للميديا، ومن عقلية تقليدية تحكم على المرأة من لبسها، أو عدد منشوراتها، أو حتى من وقت ظهورها على الإنترنت، ولو تم تطبيق نفس المعايير على الرجال، لرأينا العجب! لكن المجتمع كثيراً ما يغفر لآدم ما لا يغفره لحواء.
تواجد النساء في الميديا ليس دليل فراغ ولا بحث عن رجل، بل هو في كثير من الأحيان دليل وعي، واهتمام، ومشاركة فاعلة في قضايا الناس والمجتمع، فلا تختزلوا الوجود الأنثوي في العالم الرقمي بزاوية واحدة ضيقة، ولا تجعلوا من القلة التي تُسيء الاستخدام مبرراً للحكم على الكل.
فبين سطور التغريدات، وتحت ضوء المنشورات والكتابات، هناك نساء ناضجات، مثقفات، رائدات… وجودهن ليس عورة بل ضرورة…لنا عودة.