الجمعة, يوليو 4, 2025

مسافات.. جدية عثمان تكتب…. من “Mr Speaker” البريطاني إلى حكومة كامل إدريس: التكنوقراط ضمانة الاستقلال والاستقرار


في مجلس العموم البريطاني، لا يبدأ أي نائب حديثه قبل مناداة “Mr Speaker”. هذه الكلمة البسيطة ليست مجرد تقليد برلماني، بل تعبير عميق عن احترام سلطة محايدة، تقف فوق السياسة، لضمان النظام والعدالة داخل قبة البرلمان. الـ Speaker، بعد انتخابه، يخلع عباءته الحزبية ويتحول إلى حكم مستقل، لا يميل لفريق على حساب آخر، لأنه يعلم أن مهمته ليست الدفاع عن مواقف، بل حماية الدولة من فوضى الانحياز.
هذا الدرس الديمقراطي العريق ليس بعيدًا عما يطمح إليه السودانيون اليوم. فالبلد الذي أنهكته المحاصصات، و والولاءات بات يتطلع إلى نموذج مختلف: حكومة تعتمد الكفاءة لا الولاء وتضع مصلحة الشعب فوق مصلحة الأفراد
الحديث عن حكومة كامل إدريس كـ”حكومة أمل” ليس مجرد توصيف سياسي، بل ضرورة وطنية. بعد الحرب والتشريد وانهيار مؤسسات الدولة، يحق لهذا الشعب أن يحلم بحكومة تحكم لا لتحكم، بل لتبني، وتعالج، وتؤسس لدولة حديثة.
التكنوقراط هنا ليسوا مجرد “خبراء”، بل ممثلون لفكرة أن الدولة يجب أن تُدار على أساس احترام القانون، والعمل المؤسسي، والبعد عن الشعارات الفارغة. تمامًا كما أن “Mr Speaker” لا ينتمي لأي حزب حين يُدير النقاش، فإن الوزراء في حكومة الأمل لا بد أن يتحرروا من أي ولاء غير الولاء للوطن.
السودان يقف اليوم على مفترق طرق: إما العودة إلى دائرة العبث، أو الدخول في مسار البناء. والتكنوقراط المستقلون فعليًا، لا شكليًا هم مفتاح هذا المسار. حكومة كامل إدريس، إن نجحت في تشكيل فريقها من هذه النوعية، قد تكون فرصة السودان الأخيرة للانتقال من زمن الشعارات إلى واقع الدولة.
فكما يرفع البريطانيون أصواتهم تحت قبة البرلمان بنداء “Mr Speaker” احترامًا للقانون، يحتاج السودان إلى أن ترفع مؤسساته راية الحياد، لتبدأ رحلة إعادة الإعمار، ليس بالحجر فقط بل بالعدالة والعقل، والاستقلال.
مسافات.. جدية عثمان
لندن 2 يوليو 2025

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات