في عالم تتكاثر فيه الأزمات وتتشابك فيه المصالح، تبدو البشرية بحاجة إلى صياغة جديدة تتوسط الحرب والسلام، بعدما أثبتت التجارب أن لا هذه ولا تلك تجلب استقرارًا حقيقيًا ,
رغم تعدد الحروب في العقود الأخيرة، لم تحقق أيٌّ منها أهدافًا حاسمة. “الحرب العادلة”، كما نظّر لها شيشرون، سقطت في فخ الاجتهادات السياسية، كما في حرب الخليج الثانية. أما “حرب التأسيس”، التي رأى فيها توماس هوبز وسيلة لإعادة تشكيل الواقع، فتجلّت بوضوح في الحرب الروسية-الأوكرانية، دون نهاية تلوح في الأفق.
منذ الحرب العالمية الثانية، صارت الحروب وسيلة لإعادة ترتيب المصالح لا لحسمها، كما في فيتنام، وأفغانستان، وحروب الخليج، وإسرائيل المتكررة على الجبهات العربية. أحدث حلقاتها بدأت بـ”طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، وردّت إسرائيل بعنف شديد طال غزة وامتد إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران، ضمن عملية نوعية سمّيت “الأسد الصاعد”.
لكن المفارقة أن كل هذا الدم والدمار اختُتم بإعلان وقف لإطلاق النار، وهدنة مؤقتة. وكأن الحرب كانت مجرد فصل عبثي في مسرحية عبثية، تنتهي دون نتائج حاسمة.
حتى الأهداف الإسرائيلية، كضرب المشروع النووي الإيراني أو إسقاط النظام، لم تتحقق، بل جاءت بنتائج عكسية. فازداد الدعم الشعبي لطهران، وتراجعت شعبية نتنياهو داخليًا .. كل ذلك يعيدنا إلى السؤال الجوهري .. إذا كانت الحرب عبثًا، والسلام سرابًا، فما هو الشكل الثالث القادر على كسر الحلقة المفرغة؟ وكيف نصوغ سلامًا حقيقيًا يحفظ الحقوق ويصون الكرامة؟