الخلاف المحتدم حول تفسير إتفاق جوبا والذي تتصاعد أدخنته تارة وتخفت تارة أخرى برأيي هو “امتحان قدرات تجريبي” لتحديد كفاءة وأهلية القوى السياسية وتعيير لرشدها في ممارستها لفضيلة الإختلاف ، وهي إحدى فضائل عديدة ينطوي عليها النظام الديمقراطي الذي تواثقت على الأخذ به كل القوى السياسية الموجودة الآن على الساحة السياسية في البلاد، وارتضت أن يكون خياراََ أوحد لما بعد فترة الإنتقال خاصة، ولمستقبل السودان بالعموم.
الخلاف حول قضية نسبة ال 25٪ ،وحصص الأطراف المؤسسة للاتفاق والملحقة به فيما يتعلق بالمناصب الوزارية هو في تقديري خلاف عادي لم يخرج (حتى الآن) عن نطاقه الطبيعي ، لكنه يمكن أن يخرج عن هذا النطاق إلى فضاء الفشل ليدخل غلاف اللاعودة وهو ما لا يريده الجميع بطبيعة الحال.
وطالما هو امتحان فإن أي امتحان يحكمه قيد زمني ، وهذا القيد الزمني يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الامتحان نفسه، فليس هناك امتحان مفتوح النهايات ، ومطلق القيد وإلا فقد معناه وخواصه كونه معيار لقياس الأهلية والاقتدار والجدارة.
ما هو مزعج ويثير المخاوف والهواجس في عقل وقلب كل سوداني وطني غيور راسخ الثبات في دعم ونصرة الصف الوطني ضد أعدائه بالداخل والخارج، هو أن القيد الزمني للامتحان يوشك على الانتهاء وما يزال الجدل البيزنطي سيد الموقف ، وتعلو أصوات الجعجعة ، ولا يُرى لها طحين ، وبالتالي الخوف كل الخوف من سقوط القوى السياسية في هذا الامتحان التجريبي مما يؤخر تأهلها للمرحلة الأعلى التي ينتظرها الجميع.
توشك هذه القوى السياسية أن تغرق في “شبر موية” ، وهي تعلم بأن البلاد في حالة استثنائية وتجابه تحدياََ مصيرياََ يهدد وجودها وكينونتها.
إن تجاوز هذا الخلاف يعتبر ضرورة وطنية وواجب أخلاقي ومطلب شعبي واجب التلبية ، بل يعتبر نصراََ وتقدماََ ميدانياََ مثله ومثل التقدم العسكري في الميدان ، وهو جزء من معركة الكرامة التي لم تضع أوزارها بعد. والعكس صحيح، فإن إستمرار اللت والعجن واللخ فيه يعد تقهقراََ وتراجعاََ وتخذيلاََ لجنودنا الأبطال ومقاتلينا البواسل بتشكيلاتهم المختلفة في جبهات المواجهة مع العدو في محاورها المختلفة.
ينبغي على السياسيين أن يرتقوا لمصاف “الضبط والربط” الذي يتميز به شركائهم العسكريون ويدخلوا “الحذية” ليحدث التناغم وتتوحد الخطى وتدور العجلة بقوة وانتظام. ولهم في سرعة ترشيح وزيري الدفاع والداخلية إسوة ومثال ينبغي أن يحتذى، فما تأخروا في ذلك ولم نسمع لهم جعجعة ولا علت أصواتهم بالجدل والخلاف و”نسبتي ونسبتك”. حسموا أمرهم بهدوء و “رفعوا التمام” للشعب السوداني مبكراََ.
الشعب السوداني يتطلع إلى استكمال تشكيل حكومة الأمل التي يعقد عليها آمال عراض لحل الكثير من قضاياه ومشكلاته التي يرزح تحت نيرها ، وهي قضايا ملحة وأساسية ولا تحتمل التأخير المماطلة ، هناك قضايا النازحين واللاجئين ، والخدمات، وقضايا المعيشة ، والتعليم ، والصحة وفوضى الأسعار وغلاء السلع ، وقضايا الفساد وجشع تجار الأزمات ، وقضايا إعادة الإعمار ، وتأهيل مرافق البنى التحتية.. إلخ من الملفات التي تمتليء بها أضابير الجهاز التنفيذي.
إن الفترة الإنتقالية مهما طالت فهي موقوتة وإلى نهاية، هي مجرد جسر للانتقال إلى الوضع الطبيعي الذي توافق عليه الجميع ، إلى حكم الشعب عبر التفويض الشعبي بواسطة الإختيار الحر والتنافس الشريف بين القوى السياسية عبر الإنتخابات حيث لا مجال للمحاصصة والترضيات وما إلى ذلك. وحيث تحدد الأوزان بأثقال الجماهير لا بالشلليات، فمن ثقلت موازينه تأهل وتقدم ، ومن خفت موازينه تقهقر وتأخر.
وبحسب ما رشح من معلومات متواترة فإنه من المتوقع في غضون الساعات المقبلة أن يتم الإعلان عن عدد من الوزارات في تشكيلة حكومة الأمل وهذا إن حدث فهو أمر محمود ، وما يأمله الشعب السوداني ويرجوه أن يكون هذا الإعلان طاوياََ لصفحة الخلاف حول حصص إتفاق جوبا وألا ينطبق على الحكومة الجديدة المثل الشعبي السوداني “مشطوها بي قملها”..!!