شموع تأبى إلا أن تبكيه قبل صرخة الرحيل الموجع، لتحاصر الجميع أصوات كانت بالأمس طيور غردة، فإذا بها تحل محلها اليوم الغربان، تلهث وتتهالك تعباً من فرط الركض خلف حصان الحياة الجامح، وتموت رغباتهم من فرط الإنعدام وهم لا يدرون أن للرحيل مواسم ممطرة، وأن لحذاء الصبر صلاحية انتهاء، وأن لرضاعة المكابرة لا محالة أواناً يجف فيه الحليب..!!!
حياته السياسية
حياة أهل السياسة لا تخلو من السقوط في فقه الاجتماعيات، جهلاً وسزاجة وانسداد أفق تبصر ملامحه بحسرة اليوم حتي أصبح الكل يتسأل من أين أتى هؤلاء..؟؟ لا تثريب عليهم طلما فيهم من ركب موجة السياسة العاتية لم يأذن لنفسه أن يقرأ أو يتصفح (السياسة حضور) هذه المقولة التي نطق الراحل بلال عوض الله قولاً وأنتجها فعلاً ليتدرج فيه أعلى (السلالم) ومن قمتها إمتص لون الفرح الذي رفرف بجناحيه زهواً بهذا (السخاء السياسي) نحو سبيل المجد، مفروش بالورد، على رصيف الانتشار بين العالمين، الزعيم الراحل قدم روحه رخيصة في سفر بداية العمل السياسي قرباناً لحزب (الأمة) وذلك في (سبعينات) القرن الماضي في زمن شهد إنزواء العديد من (القيادات) من مشهد المصادمة إلا أصحاب (الهمم العلية) والشجاعة القوية ظلوا في ربأط جأش في مشهد التضحيات…!!! الجميع وقتذاك يدرك الأوضاع المثخنة بالنضال الثوري صعوبة الحمل المثقل لهذه التضحية التي قام بها الراحل بلال عوض الله وهو يعلم يقيناً مثبتاً عظمة الأخطار المحدق به هذه المخاطر لم تمنعه من المضي قدماً في السير في مسيرة العمل السياسي والنضالي، حيث أقدم بشجاعة فائفة مبنية على دوافع وقناعات تولدت عنده وهي تقديرات مستحواه من ظرف زماني ومكاني في ظل عهد حكم (مايو) الدموي الذي مارس أشد أنواع البطش والتنكيل لكل من يخالفهم الرأي، فكانت الساحة السياسية في ذلك الوقت تمور وتفور بالأحداث الجسام سعيا منها الي اسقاط نظام جعفر النميري، بكل السبل والوسائل المتاحة وفي ذلك كان الراحل يعلم يقيناً أن الطريق لم يكن معبد بالورود والأزهار بل طريق مضرج بالدماء والموت الزؤام حيث يقول الشاعر:
حسام هو الموت الزؤام متى يشم له برق رعد جاءه منه ترعيد
غدا عرضا للموت جوهر متنه ولكن معدوم الردى فيه موجود
فلو عابدون الشمس والنار أبصروا أشعته لأغرتهم منه معبود
نشاطه السياسي
- إتسم نشاطه السياسي بالكثير من التبرعات، فقد تحمل كل نتائجه وإفرازاته بجلد وصبر يحسد عليه يرجع ذلك إيمانه القاطع بأنه هذا الطريق ملئ بالابتلاءات والمصائب، فحمل منها ماتنوء بحمله الجبال، من خلال نظام دكتاتوري بغيض، ضيق صادر مساحة الحريات، فقد شهد نظام مايو وقتذاك توتر كبير في محيط علاقته بدول الجوار، ألقي هذا الوضع بظلال سالبه وجعل الوضع ملتهب تماماً، أدى إلى نشوب الكثير من محاولات الاستيلاء على السلطة في ذلك الوقت ولكن نذكر بعض المحاولات التي كان ل بلال عوض الله دور كبير فيها والتي بدأت منذ حركة 5سبتمبر 1975 وقائد عمليتها المقدم حسن حسين ومن ثم تلاه بعام واحد حركة العميد الركن محمد نور سعد في عام 1976 والتي لعب فيها دور كبير ومؤثر جدا حتي تم القبض عليه ومعه آخرون صدرت في حق بعضهم الحكم بالإعدام، وله إسم حركي يدعي (شيخ العرب) بغرض (التمويه) لعب دور من خلال الربط بالعساكر والطلاب والنقابات بغرض نجاح حركة يوليو1976 وعندما فشلت ظل الأمن يبحث عن شيخ العرب حيث إلتفت ساق الأدلة ساق بساق وقادته للحكم عليه بالإعدام بعد أن اشارة الأجهزة الأمنية الي (تورطه) لأن كل من قبض علي شخص أشار إلى أن لشيخ العرب دور كبير في تجنيده لهذا العمل… تم إلقاء القبض علي الزعيم الراحل بلال عوض الله وفي ذلك طرفة اعتقد جهاز أمن النميري أن شيخ العرب الذي توفرت المعلومات لديهم يظنون بأنه طاعن في السن وعند القبض عليه عرفوا أن ذلك اللقب كان بغرض التمويه وهو في قتبل العمر.
ما بعد إنتفاضة أبريل 1985
وعندما سقطت حقبة مايو الديكتاتورية وجاءت الانتفاضة الشعبية في ابريل 1985ومن ثم أعقبها نظام حكم (ديمقراطي) عرفت بالديمقراطية الثالثة والتي فاز حزب الأمة بأغلبية الدوائر الانتخابية وفي ظل تلك الفترة وللأسف الشديد عاني التجاهل والإقصاء من مشهد القرار حدث هذا له وللآخرين كان لهم السبق في التضحيات ولكن…!!! السياسة عندنا يمتطيها (الانتهازيين) دوماً وهذه واحده من أمراض السياسة المزمنة في السودان…!!! بواقع سياسة (زولي وزولك) كانت وما زالت هي المقياس للتقرب والولاء… وليس التضحيات..!!!عندما سقطت الديمقراطية الثالثة وقامت ثورة الإنقاذ يوم 30يونيو 1989
ذهب يتحثث الخطي نحو مشروع وطني كما ذهب معه آخرون في ذات الطريق ليلحق معه نفر كبير من حزب (الأمة) هكذا هي السياسة لها داهاليزها وتقديراتها الظرفية والمكانية في هذا المنوال إتضح جلياً مع مرور الوقت أن (مشروع وافكار) بلال عوض الله تصلح أن تدرس لكل من أراد (الممشي العريض) في طريق العمل السياسي.. لأن السياسة في اعتقاده حرفياً (فن الممكن)
وما مقولة (السياسة حضور) التي قالها ما هي إلا حكمة يجب أن تعلق في باب كل من اتخذ السياسة طريقاً يتلمس خطاها أو لكل من تبوء (منصب) ساقه الله إليه صدفة في زمن الاعوجاج والصدف المميتة لذا كان أدائهم يحمل (سحنت) ذلك الاعوجاج…!!! فإبتعد حيال ذلك الراعي من الرعية والرعية من الراعي…؟؟؟!!!
- كرس الراحل المقيم جل حياته لخدمة السودان عبر كثير من المواقع التي تقلد فيها مناصب عده في ضروب العمل النقابي والسياسي والخدمي من أبرز تلك السمات أو المحطات العملية تقلده رئاسة إتحاد (مزارعي) السودان لأكثر من دورة ومن ثم عمل الراحل نائبا للرئيس وأمين للمال في دورات آخر في ذات المجال، وأيضاً كان عضواً دائم في المجلس الوطني منذ تكوينه وحتي آخر انتخابات للبرلمان حيث تقلد في قبة البرلمان رئاسه اللجنة (الزراعية) ومن ثم تم ابتعاثه لعدة مؤتمرات خارجية ممثلاً للسودان آخرها مؤتمر (الفلاحين العرب) بالأردن
كذلك كاننت له أدوار أخري بخلاف العمل السياسي حيث كان أبرز أعضاء مجلس إدارة جامعة بخت الرضا ورئيس مجلس إدارة جريدة المشاهد، فقد تبؤه رئاسة (كتلة نواب) النيل الأبيض البرلمان كل هذا العطاء الثر يندرج في إطار نشاطه النقابي و السياسي الكبير.
كما يشهد تاريخه السياسي بانه وطني صادقاً في الإنتماء للوطن، وقد عمل في الجبهة الوطنية المناهضة لحكم جعفر نميري والتي تضم في جعبتها كوادر من كآفة التحالفات السياسية وقتذاك من الإسلاميين والاتحاديين واليساريين، تميز بعصامية فريدة وكان صاحب رأى يعتذي به لم يرهن نفسه لعيش في (جلباب أبي…) كل هذه المواقف السياسية أظهرت له بجلاء الكثير من الحقد (الطبقي) من جهات شتي ولكن كان دائماً يسمو فوق كل خلاف مقيت…!!!
فكان كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا يرمى بصخر فيلقي أَطيب الثمر.