الخميس, أغسطس 7, 2025
الرئيسيةمقالات"كامل إدريس بين شرعية الميدان وتحديات الغنائم: هل تكون البداية الحقيقية؟" ...

“كامل إدريس بين شرعية الميدان وتحديات الغنائم: هل تكون البداية الحقيقية؟” بقلم: عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن

منذ لحظة تكليفه، بدا أن الدكتور كامل إدريس يدرك حجم الفجوة التي تفصل الدولة عن المجتمع، والمسافة العميقة التي تفصل مؤسسات الحكم عن وجدان الشارع السوداني. اللافت أن تحركاته لم تظل حبيسة الغرف المغلقة أو بيانات المراسم الرسمية، بل اتخذت طابعًا ميدانيًا واضحًا، زار فيه مؤسسات أمنية سيادية كجهاز المخابرات، والشرطة، والقوات المسلحة، وأجرى لقاءات مباشرة مع أعضاء مجلس السيادة من المدنيين والعسكريين. كما أدى صلاة العيد وسط المواطنين، في رسالة رمزية قوية تشير إلى رغبته في اكتساب شرعية شعبية مباشرة تتجاوز نخب المحاصصة والصراع.

بين الدولة والغنيمة

إن نجاح كامل إدريس في مهمته لا يرتبط فقط بالخطاب أو النوايا، بل بقدرته على تجاوز منطق “المحاصصة” وفرض منطق “الدولة”. هذه معركة سياسية وأخلاقية في آن، فالسودان اليوم لا يحتاج إلى توزيع كراسي بل إلى إعادة تعريف مفهوم السلطة بوصفها تكليفًا لا تشريفًا. نجاحه مرهون أيضًا بإصلاحات جادة تعيد جسور الثقة بين المواطن والدولة، وتكسر ثقافة الفساد والتمييع التي سادت طوال عقود.

حكومة الفرصة الأخيرة

ما قدمته حكومته حتى الآن من مؤشرات — مثل تقليص الوزارات، واستحداث حقائب جديدة تتسق مع أولويات ما بعد الحرب — يعكس محاولة جادة للخروج من نمط الحكومات التقليدية. غير أن هذا الجهد، مهما بلغت جديته، سيظل مهددًا بالفشل إن لم يترافق مع بناء فريق عمل متجانس ومتماسك، يحمل رؤية واحدة، ويفهم أن معركة السودان اليوم هي معركة بقاء لا مساومات.

أهمية القاعدة الجماهيرية

ولأن غياب الإجازة التشريعية يشكل فراغًا مؤسسيًا خطيرًا، فإن الطريق الوحيد لحماية مشروع الإصلاح هو خلق قاعدة جماهيرية واعية وفاعلة. لا يمكن أن يُكتب لأي سياسة إصلاحية النجاح إذا لم تتكئ على شعب يرى فيها خلاصه. ولهذا، فإن الالتحام بالشعب يجب ألا يكون مجرد طقس موسمي، بل يجب أن يتحول إلى منهج حكم، يعبّر عن تطلعات الناس، ويُشركهم في صنع القرار.

وفي هذا السياق، يبرز دور الأجهزة الأمنية كمحور استقرار وليس كأدوات قمع. فلا يمكن لحكومة إصلاحية أن تنجح في ظل التباعد مع المؤسسات السيادية، بل لا بد من تنسيق كامل يضمن أن هذه الأجهزة تُوظّف في حماية التحول الديمقراطي، لا في تقويضه.


سيناريوهات قادمة:

  1. سيناريو النجاح:

ينجح كامل إدريس في تكوين حاضنة سياسية–شعبية متينة، وينفتح على قطاعات المجتمع المدني، ويطلق حوارًا وطنيًا حقيقيًا غير انتقائي. وتبدأ الحكومة بإصلاحات تدريجية وعميقة في الاقتصاد ومؤسسات الخدمة المدنية. تترسخ الثقة تدريجيًا، وتبدأ البلاد بالتعافي رغم الصعوبات.

  1. سيناريو المراوحة:

يُجهض المشروع بسبب صراعات داخلية أو ضغوط من مراكز قوى لا تريد للتغيير أن يكتمل. تستمر الحكومة في إصدار القرارات دون آلية تنفيذية، وتفقد زخمها الجماهيري، وينزلق الوضع إلى مزيد من الإحباط الشعبي.

  1. سيناريو الانهيار:

تتفاقم الضغوط الداخلية والخارجية، وتُشل الحكومة في ظل غياب غطاء تشريعي وشعبي قوي. تنهار منظومة الدولة وتعود البلاد إلى مربع الفوضى السياسية والانفلات الأمني، مما يفتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية تحت غطاء “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.


الخلاصة: الفرصة سانحة ولكنها لا تحتمل التراخي. فإما أن تُكتب هذه التجربة بحبر الأمل في دفتر التحول السوداني، أو تكون مجرد محطة أخرى في قطار الانتقالات الفاشلة التي أرهقت البلاد وأضاعت أحلام أجيال.

ليبقَ شعار المرحلة: لا إصلاح بلا شعب، ولا دولة بلا أمن، ولا أمن بلا عدالة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات