نحن أهل السودان، لم نعد بحاجة إلى المزيد من التوصيفات حول ما يجري في وطننا، بل إلى قراءة واعية لحقيقة ما يدور، خاصة في غرب البلاد، حيث تشتعل النيران من جديد في دارفور، لكنها هذه المرة ليست مجرد مواجهات محلية أو نزاعات قبلية كما يحاول البعض توصيفها، بل هي معركة كرامة وسيادة، تُحسم على أرض الواقع بين مشروعين لا يلتقيان: مشروع الدولة الواحدة، والمليشيات المتعددة.
في دارفور اليوم، يتقدّم الجيش السوداني في معركة معقّدة، لا يُقاتل فيها من أجل الأرض فقط، بل من أجل منع تمزيق الوطن، ومن أجل الحفاظ على وحدة السودان من أن يتحول إلى فسيفساء من الدويلات المسلحة والمتناحرة. إن القوات المسلحة السودانية، التي حافظت على ما تبقى من الدولة بعد انفصال الجنوب، تخوض الآن حربًا مصيرية ضد مشروع الفوضى المدعوم إقليميًا والمسنود دوليًا بصمت مريب.
ما يُحاك في دارفور ليس بعيدًا عن سيناريوهات معروفة سلفًا: إعلان كيانات انفصالية، إقامة إدارات بديلة، السيطرة على المعابر والموارد، وبناء تحالفات تتجاوز مفهوم الدولة. لكنّ من يقرأ التاريخ يدرك أن السيادة لا تُوهب، بل تُنتزع، وأن الجيوش لا تُقاتل فقط بالسلاح، بل بالإرادة والرؤية والإجماع الشعبي خلفها.
هذه ليست حربًا عسكرية فحسب، بل حرب وعي. لأن من يروّج لانفصال دارفور، أو يحاول تصوير الحرب على أنها نزاع بين “مركز” و”هامش”، يتجاهل عمدًا أن ما يجري هو عدوان على فكرة الوطن ذاتها. يتجاهل أن دارفور كانت دومًا جزءًا أصيلًا من قلب السودان، وأن أبناءها هم من قاتلوا ودافعوا وضحوا في كل مراحل بناء الدولة السودانية الحديثة.
ولأن دارفور تُشكّل العمق الإستراتيجي الغربي للسودان، فإن سقوطها لن يعني فقط خسارة إقليم، بل فتح بوابة خلفية لتدخلات عابرة للحدود، ومهددات وجودية ستطال كامل الوطن من شرقه إلى شماله، ومن بحره إلى نخيله.
ورغم قساوة المشهد، فإن الأمل لا يغيب. فالصوت الشعبي بدأ يتّضح مجددًا، داعيًا إلى دعم القوات المسلحة السودانية لا لأنها تمثل المؤسسة الرسمية فحسب، بل لأنها اليوم تمثل خط الدفاع الأخير عن السودان الوطن، لا السودان السلطة. وهذه لحظة الحقيقة: إما أن نكون مع جيش وطن يدافع عن وحدة التراب، أو نترك دارفور تُختطف، فنفقد بعدها ما تبقى.
إن معركة دارفور اليوم ليست عسكرية فحسب، بل معركة على هوية السودان ومستقبله، وعلى العقلاء والراشدين أن يعلوا صوتهم، وأن يُجددوا الإجماع الوطني حول مركزية الدولة ومشروعية الدفاع عنها. فالكرامة لا تُصان بالشعارات، بل بالمواقف. والسيادة لا تُصان بالتفاوض على الخرائط، بل بالصمود على الأرض.
وقد آن أوان الوعي.