أعلنت الإدارة الأمريكية في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل عن فرض عقوبات جديدة على حكومة السودان تزعم فيها استخدامها أسلحة كيماوية في حربها ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة. وقد نفى الجيش السوداني نفياً قاطعاً هذه الاتهامات، إلا أن الولايات المتحدة مضت في قرارها متجاهلة ما يمثله من تبعات كارثية على الوضع الإنساني والمعيشي لملايين السودانيين.
لكن هل فعلاً تستهدف هذه العقوبات حماية المدنيين؟ أم أنها سلاح سياسي يحمل أجندات خفية؟
السودان ظل في مرمى النيران منذ اندلاع “حرب الكرامة”، التي يخوضها الجيش السوداني ضد مليشيا تمردت على الدولة، ونهبت المدن، وارتكبت انتهاكات موثقة في حق المدنيين، بدعم عسكري ولوجستي من جهات خارجية على رأسها دولة الإمارات كما تؤكد تقارير حقوقية واستخباراتية متعددة.
وفي ظل هذا الواقع، تأتي العقوبات الأمريكية والتي في ظني لا تأثير لها على الشعب السوداني ويمكن للجيش الإعتراض عليها بل والمطالبة بإثباتها ، تأتي هذه العقوبات في وقت يواجه فيه السودان أزمات إنسانية مركبة. فهي لا تستهدف المنظومة العسكرية فحسب، بل تؤثر في الاقتصاد الوطني، وتعوق حركة المساعدات، كما أنها تؤثر على الخدمات الصحية والتعليمية مما يزيد من معاناة المواطنين الذين أصبحوا يدفعون ثمن صراع لم يختاروه.
فمن يا ترى المستفيد من هذه العقوبات؟ وهل تأتي في إطار الضغط المشروع، أم أنها غطاء دبلوماسي لصالح أطراف إقليمية متورطة في إشعال فتيل الأزمة؟ أحسب أن أصابع الاتهام تشير بقوة نحو الإمارات التي تجد في مليشيا الدعم السريع أداة لتنفيذ مصالحها الجيوسياسية في المنطقة. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن العقوبات الأمريكية قد تكون محاولة لطمس حقيقة الدور الإماراتي، وتشتيت الانتباه عن الدعم الذي تقدمه للمليشيا، رغم الأدلة المتزايدة التي تثبت تورطها في نقل الأسلحة وتوفيرها ذخائر عبر منافذ إقليمية وبعض دول الجوار السوداني .
ففي قلب هذه الإشكالية، يبرز اسم دونالد ترامب .الذي لا يزال تأثيره قوياً في مفاصل القرار الجمهوري، ولا سيما في ملف العلاقات الأمريكية – الإماراتية، التي اتسمت بالدفء والصفقات المشبوهة خلال فترة حكميه ، تحقيقياً لمصالحه الشخصية ..
فلم يكن مستغرباً أن يتعرض وزير الخارجية الأمريكي لهجوم عنيف من بعض نواب الكونغرس ومجلس الشيوخ، الذين اتهموه علانية بأنه أصبح أداة طيعة في يد ترامب، ويغض الطرف عن الحقائق خدمة لمصالح سياسية وشخصية ضيقة. وهذا يعد موقفاً محموداً لأولئك النواب .. اللافت أن الكونغرس الأمريكي لم يصمت ولن فقد عبّر عدد من أعضائه عن رفضهم لهذه العقوبات، مؤكدين ضرورة إجراء تحقيق مستقل حول مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية، بدل إصدار أحكام مبنية على تقارير مشبوهة أو مضللة ويشم منها رائحة الرشاوي الإماراتية .
بل إن بعض النواب ذهبوا إلى حد المطالبة بمساءلة إدارة الخارجية حول الأسس التي استندت إليها، محذرين من تحوّل السياسة الأمريكية إلى أداة ابتزاز تخدم مصالح خارجية على حساب الحقيقة والشعوب المستضعفة.
إن العقوبات الأمريكية على السودان ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة التدخلات التي لا تراعي تعقيدات الواقع السوداني ولا آمال شعبه في السلام والعدالة. وبينما يحاول الجيش استعادة الدولة من قبضة المليشيا، يبقى الشعب هو الضحية الأولى، في معركة تتداخل فيها الحسابات الدولية، والمصالح الإقليمية، والصفقات السياسية.
ليبقى السؤال معلقاً هل سيستيقظ ضمير العالم ليدرك أن معاقبة الشعوب لا تجلب السلام؟ أم أن لغة المصالح هي من يكتب فصول الحروب بمعاناة الأبرياء والآمنيين ؟Elhakeem.1973@gmail.com