مدى تجوالي في بلاد العالم العربي ومعرفتي بابناء المشارقة والمغاربة وهم محصلة الوعي الإسلامي والمسيحي و العروبي وما خالطه من قوميات..وإن كنت ما أعنيه في مقالي هذا أوضح تجليا في بلاد الشرق الأوسط سيما بلاد الشام والهلال الخصيب إذ تجمعهم خلفية ثقافية واحدة وهي ذات سلطان في صياغة إنسانها في الوعي. ولا وعي..كما تنحوا بذلك الفلسفة الخلدونية(أثر البقاع على الطباع)..إذ يكون الاختلاف بين شعب كل دولة وأخرى هو اختلافا في المقدار لا النوع . فالمنظومة القيمية واحدة وهي من الخطورة والتأثير بأن تضع تحت سطوتها الأمي منها والمتعلم. وإن كان التعبير عن أثر هذة السطوة يختلف بإختلاف أدوات الشخص ..فالأمي البسيط يصرح بإنتمائه المتحيز لدينه أو طائفته ومذهبه وقوميته بعبارات (خام)صرفة دون تكلف وفذلكة لا يرمش له جفن.. والمتعلم أو المثقف أو المتسوق والمتطفل علي أسواق الاستنارة يعبر عنها بعبارات منمقة ومصطلحات مفخخة و مرافعات مصنوعة ..والمساحيق كثيرة .فالتحيز المتطرف يجري في دماء كليهما يستغرق خلايا ذاتيتهما وما الإختلاف في التعبير عن هذه المأساة الا اختلاف أدوات كل منهما.. فالوعي واحد والتعبير عنه متعدد..وهنا تكمن حدة الاستقطاب المتطرف وشيزوفرينيا الوعي بالانتماء القطيعي لديني/طائفتي /مذهبي /قبيلتي /ايدلوجيتي كما قال الشاعر الجاهلي دريد بن الصدمة (وما انا الا من غزيت ان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد ) والمتخلف عقليا او الأمي في صفوف من انتمي إليهم ..أفضل عندى من بروفسيرا في الضفة الأخرى ؟والمقابلة هنا للتقريب وليست لإحتقار ذاتية إنسان .توسلت بالمقدمة اعلاها…وانا اعيش في إحدي المدن الكندية منذ سنوات وهى ملتقا” لثقافات متنوعة من مختلف بلاد العالم تزخر بعدد مقدر مما عنيتهم في مقدمة مقالي من وجود عربي وشرق أوسطي من بلاد الشام والهلال الخصيب ينتمي غالبيتهم لكيانات إجتماعية وثقافية يحيون انشطتهم واحتفالاتهم وينتظمون مع بعضهم البعض في مجموعات التواصل الاجتماعي فيسبوك واتساب وبعض المنابر الثقافية .والسمة الغالبة هي إختباء المعتقد خلف الكيبورد والإطلالة علي الأخرين حسب جودة المساحيق التي تخفي كدمات الوعي والنفوس وهي تنم عن استدعاء ذات مآسى بلادنا وتوظيفها وفق ما تسمح به قوانين وأدبيات بلاد المهجر..فيديه علي الكيبورد في كندا وذيله يتدلى في أودية طائفته في بلده. وبالطبع هذا الوصف لا يشمل الجميع ..أذكر ذات مرة اني عاتبت أحد معارفي السوريين لعدم استجابته لدعواتي المتكررة له لحضور أمسيات مونتريال الثقافية. فأطرق برهة وابتسم وقال لي :(انا أعيش في هذه البلاد حوالي25 سنة أعرف بالآخرين منك.يا أخي الكريم .غالبية من تحتفي بهم انت انا أعرفهم عن قرب ولكي ..يتضح لك ما أعني أذكر لك طرفة و إن شئت سمها مفارقة غريبة ..فقال:( عند بداية وصولي الي كندا سكنت مع أحد الأشخاص من بلاد الهلال الخصيب وهو متحرر جدا في سلوكياتة للدرجة التي يعاقر فيها الخمر بنهار رمضان وأنا بطبعي أحترم خصوصيات وحريات الآخرين..و اعلم ان ما يفعله هذا الشخص يخالف اساس دينه دعك من أدبيات مذهبه وطائفته … لكن ذات الشخص عندما نشاهد سويا نشرات الأخبار العالمية في مسكننا فأنتقد زعيم طائفته بتعليق عابر. عفوى حتى تجحظ عيناه ويستشيط غضبا ويعلو صوته فيكيل لي تهم اضادهم ويتهمني بالانتماء الي الطائفة التي تخالف طائفتهم. رغم أني متحررا من أى إنتماء..طائفي و وأيدلوجي فتبرز من بين جنبيه شخصية أخرى غير التي كانت تتحدث لي ليل نهار عن مناقص المجتمع العربي واصفا” و واصما” بالديكتاتورية، والإستبداد، والذكورية وقضايا الجندر والنسوية الخ..). وفي ذات السياق أذكر سيدة ستينية خرجت من محاضرة ثقافية في أحدى الأمسيات وهي تستشيط غضبا” عندما وجدت أحد المتحدثين في المنبر يسلق المجتمعات العربية بألسنة حداد بإتهامهم بالذكورية وتمييز الجندر وتسلط الأديان. وعندما لحقت بها عند باب الخروج سألتها عن سبب خروجها المبكر من الندوة قالت لي بسخرية وغضب( إن الذي يتحدث عن ذكورية المجتمع العربي وتسلط الاديان كان متزوجا من شقيقتي ..ذاقت منه الأمرين عنفا” وتسلطا”..الا يستحي)؟! وكأنها تتهمه بأنه مثقف او متثاقف عند الطلب يأكل في كل الموائد، تنويري في المنابر.. خادم مريد لتوجيهات طائفته او متحيز لتقاليده الباليه !!.. وفق ما تيسر لي من إطلاع في عالم الأديان و الافكار والمذاهب لم أجد قيمة حظيت بإحتفاء من كل الملل والنحل ك(الصدق) ! روي أحد الدعاة الإسلاميين في مذكراته قال:( في الستينيات من القرن الماضي كنا دعاة في إحدى أقاصي الهند . وجدنا قرية تسيطر عليها ديانة معينة وهي مزيج من تعاليم دينيه سماوية وممارسات وثنيه وكانت القرية يتقاسم زعامتها كاهنان يدعوان اتباعهما للزهد والتقشق فقال لحظنا أحدهما اكثر اتباعا” وقبولا” وتأثيرا” لدى غالبية أهل القرية بينما الآخر عكس ذلك..!؟ قال عندما تحققنا عن سر المفارقة قال غالبية سكان القرية ان الكاهن الفلاني يدعنا للتقشف والزهد وهو واسرتة في غاية الترف ويأخذ إعانات من منظمات اجنبية لمصلحته الخاصة . بينما الآخر الذي يلتف حوله الغالبية كان متسقا مع ما يدعوا إليه متقشفا وزاهدا..فعلق الداعية الإسلامي وقال أعظم ما تعلمناه من هذه التجربة (يا سبحان الله الصدق والإخلاص حتى في الضلال يثمر ويؤتي أكله )! فالذين يتاجرون بالقيم من انصاف المثقفين يتزيون في المنابر بالليبرالية والحداثوية يخبؤون خناجر تحيزاتهم المتطرفة بإقصاء الآخر تحت بزتهم الإفرنجيه هم أعدى اعداء النهضة والإستنارة في مجتمعاتهم.. وقودا” للحروب في بلادهم ..بطانة سوء لساسة أسوأ يزينون لهم سوء عملهم وسطاء- (سماسره )يتكففون مكاسب السلطة والثروة والشهرة والنجومية الإجتماعية بين العامة البسطاء والساسة ورجال الدين والتغني بنغمات الغرب الجندر والذكورية والليبرالية ..يتكاثرون كالوباء في الأمسيات الثقافية يتصيدون خواطر الآخرين تجريما واستعلاءا (يتسولون )شركاءهم في مجموعات السوشيال ميديا ومجموعات الواتساب بإلزامية التفاعل مع ما يطرحونة.. والويل لشركاءهم إذ لم يستجيبوا لطرحهم فالاتهامات مجهزة وجاهزة بالرجعية والتخلف والذكورية وكل مناقص الشرق !!.قد لا يعاب علي الإنسان قصور فهمه لبعض معارج فكرية فالناس درجات لكن بالضرورة يعاب ويذم لعدم (صدقة)فيما هو عليه وان كان التقصير علي مستوى السلوك الشخصي فالكل قد يتقاصر عن هذا المطلب الأسمى لكن ان تعلق الأمر بمصير المجتمعات والأمم وتزييف الوعي هنا يجب النكير عليهم وعدم التغافل لعظائم ما يقترفونه في حق وعي الشعوب..(التجارة بالقيم ) وكذا القرآن الكريم أشار في عدة مواضع لشخوص كرهوا الحق بعد ما عرفوه اذ تعارض مع مصالحهم وامتيازاتهم الاقتصادية والسلطوية والقبلية .وبذا جاءت النذارة في الأدبيات الإنسانية عبر التاريخ والأديان… القرآن الكريم (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )وقول السيد المسيح علية السلام (عظ نفسك ثم عظ الآخرين والا فأستحي مني)..فيا انصاف المثقفين سراق مقامات غيركم ..إتسقوا مع ما تدعون إليه والا فأستحوا من مجتمعاتكم وشعوبكم !