إن السودان الذي تكالب عليه الأعداء وتراجعت كثير من الأيادي التي كانت تدّعي الصداقة والمؤازرة إبان حرب الكرامة هذه ، بزغ موقفٌ عربي أفريقي نادر وأصيل ، أعاد للذاكرة صفحات مشرقة من تاريخ الأخوّة الصادقة والمواقف الثابتة التي لا تتضعضع. إنها دولة إريتريا الشقيقة، التي لم تغيّرها التحولات ولم تغري قيادتها الاصطفافات، فاختارت أن تكون حيث ينبغي أن يكون الشرفاء والأقوياء ..مع السودان أرضًا وشعبًا وجيشًا.
فحين فتحت ذراعي حدودها واستقبلت آلاف السودانيين الفارين من أتون الحرب وأوراها دون قيد أو شرط، لم تكن إريتريا المغيث فقط، بل كانت تؤكد عمق الصلة ووحدة المصير ، وتقول للعالم بلغة الأفعال لا الأقوال “السودان ليس وحيدًا بل هو منا ونحن منه “. وكفاها من رسالة
وتأكيداً على ذلك جاء الموقف السياسي والعسكري للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ليكون أبلغ من كل الخطب. واصدق من كل عزم عندما أعلنها صريحة مدوية بصوت لا يعرف التردد ، انحيازًا كاملًا للسودان في حرب الكرامة، موقف لا يعرف المواربة ولا التردد ولا يعرفه الا الرجال الأشداء . ثم ترسخت الكلمات وتحولت إلى أفعال حين رست البوارج الإريترية على مياه البحر الأحمر ، شاهدة على عهد لا ينكسر، وسندٍ لا يلين وميثاق غليظ ثابت ثبوت الجبال .
فهذا لم يكن موقفاً تولٌد نتيجة لحظة طارئة أو لمصلحة ، بل كان وما يزال امتدادًا لعلاقات تاريخية راسخة متجذرة ، فقد ظل السودان ملاذًا آمنًا للمناضلين الإريتريين أيام الكفاح ضد الاحتلال الإثيوبي، إذ فتح أراضيه ومعسكراته وقلوب أهله للمجاهدين ، حتى تحقق لهم الاستقلال الإريتري في مطلع التسعينات. وللحقيقة فإن إريتريا وقفت مرارًا وتكراراً إلى جانب السودان في لحظات العسر والضيق، مؤمنة بأن الأخوة لا تتبدل وأن الجوار لا يباع ولا يشترى ، وإن تبدل الزمان والمكان.
ففي الوقت الذي تراجع فيه كثيرون إلى الظلال وتراخت أيدي كان بمقدورها الدفع والدفاع ، واحتار بعضهم في تحديد موقفهم من حرب السودان ، كانت إريتريا تقف كالشمس في وضح النهار، وتقول للسودانيين نحن معكم ، لا نخذلكم ولا نترككم ولا نساوم عليكم أحدا ً مهما أشتدت بكم الحيل والنائبات .
إن التاريخ يسجل مثل هذه اللحظات بمداد لا يبهت ، وبكلمات لا تنسى ولا تخلق ، أن إريتريا الجارة أثبتت أنها ليست دولة جوار فحسب ، بل حليف إستراتيجي أصيل وشريك في المصير والمآل. وإن عز النصير..فكان صوت إريتريا سندًا يُسمع في البر والبحر معاً “لن يُكسر السودان ما دام فينا نبض يقاوم وعين تطرف، وصديق يُناصر”. فالتحية والتجلة والتقدير لك سيدي أفورقي فقد اتبعت القول العمل ..وقلة من يفعل ذلك ..فجزاكم الله خيراً عن أهل السودان حكومة وشعباً ..
Elhakeem.1973@gmail.com