حين نتحدث عن نهضة السودان، فإننا لا بد أن نتوقف طويلاً عند بيئة العمل، لأنها المحرك الحقيقي للاقتصاد والتنمية، وميدان الاختبار العملي للقيم والسلوكيات. فالموظف أو العامل الذي يتحلى بالجدية والانضباط والمسؤولية، هو الجندي المجهول في معركة التغيير.
السلوك السلبي في بيئة العمل لا يظهر فقط في التأخير أو الغياب، بل يتجلى في اللامبالاة، الغش، التواكل، ضعف المبادرة، وقتل روح الفريق. هذه الظواهر، وإن بدت بسيطة، فإنها تنهك المؤسسات وتعطل الإنتاج وتخلق أجواءً خانقة تحبط الكفاءات وتشجع الرداءة.
في المقابل، فإن السلوك الإيجابي كـ الالتزام بالمواعيد، احترام الزملاء، الاجتهاد في أداء المهام، والإخلاص في العمل، يصنع بيئة خصبة للإبداع والتطوير، ويعزز الثقة بين الموظف والإدارة، ويُسرّع من وتيرة الإنجاز، ويجعل بيئة العمل مكاناً يحفز لا يثقل.
إن تغيير السلوك في مكان العمل لا يتم بالتوجيه فقط، بل بتوفير القدوة، وبناء ثقافة مؤسسية تقوم على المكافأة والتحفيز، وتحترم الكفاءة والإنجاز. كما أن التغيير يبدأ من القادة والإداريين، فهم من يضعون النموذج في الانضباط أو التسيب.
نهضة السودان لن تتحقق إلا إذا انتقلنا من ثقافة “الوظيفة لأجل الراتب” إلى “الوظيفة كرسالة ومساهمة في البناء”. وهذا يتطلب ثورة في الوعي والسلوك داخل بيئة العمل، تبدأ من الفرد وتمتد للمؤسسة ثم للدولة بأكملها.