تتهاوى مليشيا الدعم السريع تحت وطأة هزائمها المتلاحقة ، ليس فقط عسكريًا، بل أخلاقيًا وإنسانيًا. ففي مشاهد تاريخية تعكس نهاية المليشيات العابثة بالأوطان ، فقد انحرف مسار حرب المليشيا ، التي زعمت في البداية أنها تخوض معركة عنوانها التحول الديمقراطي ومحاربة الاخوان المسلمين ( الكيزان) ومسح دولة ٥٦ من جغرافيا الأرض ، لتتحول إلى حملة إجرامية تستهدف المواطنين الأبرياء قتلاً ونهبًا وترويعًا، وتسعى لتمزيق ما تبقى من السودان عبر تدمير بنيته التحتية.
فلم يعد الحديث عن سقوط المليشيا مجرد تحليل سياسي أو أمل شعبي، بل أصبح حقيقة نطق بها حتى المقربون منها ، حيث جاء اعتراف مستشارها السابق يوسف عزت ليضع النقاط على الحروف. فقد أكد أن المليشيا هُزمت في ميادين القتال، وأنها بعد فقدانها لأي مشروع عسكري أو سياسي، تحولت إلى عصابة فاقدة للأخلاق والقيم ، ولا تملك رؤية ولا تستند إلى شرعية، بل تسير بلا هدف سوى نشر الفوضى والرعب.
كانت مليشيا الدعم السريع تسوّق لحربها باعتبارها صراعًا لأجل المهمشين، لكنها سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي، حيث انزلقت إلى جرائم القتل الوحشي للمدنيين، وامتهنت النهب والسلب، وأحرقت القرى، واستباحت الأعراض، ودمّرت مقدرات الدولة بشكل ممنهج. وهذه الأفعال لم تعد مجرد اتهامات تُرمى جزافًا، بل هي وقائع موثقة بالصوت والصورة، شهد عليها العالم، وأكدها حتى بعض من كانوا ضمن دوائرها الداخلية.
والمفارقة أن المليشيا التي ادّعت في البداية قدرتها على “الحكم”، قد سقطت أخلاقيًا قبل أن تُهزم عسكريًا، فكيف يمكن لكيان بلا قيم أن يُدير دولة؟ وكيف لمن فقد إنسانيته أن يطالب بشرعية؟ إن التجربة أثبتت أن من يبدأ مسيرته بالغدر والدم، ينتهي دائمًا في مزابل التاريخ، وهو المصير المحتوم لهذه العصابة التي أضحت عارًا على السودان والمنطقة بأكملها.
إن لحظات السقوط الأخيرة دائمًا ما تكون الأكثر بشاعة، وهذا ما تعيشه مليشيا الدعم السريع الآن. فبعدما فقدت القدرة على المواجهة العسكرية، لجأت إلى استراتيجيات العصابات وقطاع الطرق، محتمية بفوضى القتل والسلب لإطالة عمرها، لكنها في الحقيقة تزيد من تسارع نهايتها المحتومة.
لقد أثبتت الحروب عبر التاريخ أن المرتزقة لا يبنون دولًا، والمليشيات لا تصنع مستقبلًا، وأن من يحمل السلاح ضد وطنه لا يكون إلا خائنًا، والخائن دائمًا ما يكون وقوده الشك والخوف حتى يبتلعه المصير الذي صنعته يداه.
اليوم، يقف السودان على أعتاب مرحلة جديدة، وقد بات واضحًا للجميع أن مليشيا الدعم السريع لا مستقبل لها، وأن محاولاتها العبثية لفرض نفسها بقوة السلاح قد تحولت إلى إرهاب منظّم لن يطول عمره، لأن إرادة الشعب أقوى من المرتزقة، ولأن السودان لا يمكن أن يُحكم بمن لا أخلاق لهم.
إن العدالة قادمة، والانتصار ليس مجرد حلم، بل هو واقع يتشكل على الأرض، وكل من أجرم في حق السودان لن يفلت من الحساب. وسيبقى السودان، وسيسقط الغزاة والمرتزقة، كما سقط من قبلهم كل خائن وباغٍ وظالم.
Elhakeem.1973@gmail.com