منذ ما يقارب العامين يرزح السودان تحت وطأة نزاع مسلح نتيجة تمرد ميليشيا الدعم السريع على الجيش السوداني القومي،وقد خلف هذا النزاع آثاراً كارثية على المدنيين،حيث سقط آلاف القتلى والجرحى ،من بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال ،الى جانب موجات نزوح ولجوءٍ قسرية ضخمة الى اماكن متفرقة،مع تدهور الاوضاع الإنسانية بشكل خطير.
ومن بين التداعيات المأساوية للحرب في السودان لجأ عدد كبير من طلاب الشهادة السودانية المتاثرين بالنزاع الى مدينة أبشي التشادية بحثاً عن الأمان والاستقرار لمواصلة تعليمهم ،إلا أن السلطات التشادية رفضت السماح لهم بأداء أمتحانات الشهادة السودانية لعام 2024 على أراضيها ، ويُقدًر عددهم بحوالي 13 الف طالب سوداني،وهذا القرار يهدد مستقبلهم التعليمي ويمثل إنتهاكاً لقواعد القانون الدولي.
وسمحت دولة تشاد بإستخدام أراضيها كقواعد لتنفيذ أنشطة تهدد الامن والاستقرار في دولة السودان ، من خلال سماحها بمرور العتاد العسكري لميليشيا الدعم السريع المتمردة عبر آراضيها لتستخدمها في الانشطة التخريبية والعمليات العدائية الموجه ضد الشعب السوداني؛ وتمثل هذه الافعال الصادرة من دولة تشاد إنتهاكاً لأحكام المادة 23 من الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، الامر الذي يُقوض حق الشعوب في السلام والامن على الصعيدين الوطني والدولي ،ويخالف مبادئ التضامن والعلاقات الودية بين الدول ،علماً بأن السودان وتشاد من الدول الاطراف في الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب منذ 1986.
كما يُعد ذلك خرقاً لإلتزامات تشاد الواردة في إتفاق دكار الثنائي الموقع بين السودان وتشاد في 2008،الذي تعهَد فيه الطرفان على الإلتزام بعدم الاعتداء،والعمل على إعادة السلام والامن الى المنطقة، ومنع كافة أنشطة المجموعات المسلحة في الدولتين، وعدم إستخدام أراضي اي من الطرفين لزعزعة أستقرار الدولة الاخرى.
ويُعد قرار منع الطلاب السودانيين اللاجئين في مدينة أبشي التشادية من أداء أمتحانات الشهادة السودانية المقررة لعام 2024 إنتهاكاً لحق أساسي من حقوق الإنسان، ويتعارض مع أحكام العديد من الصكوك الدولية التي تكفل حقوق اللاجئين ،وتؤكد على ضرورة حصول اللاجئ وطالب اللجوء على فرص متكافئة من التعليم بجميع مستوياته إبتداءً من التعليم الأساسي وصولاً إلى التعليم العالي بإعتباره من حقوق الانسان الأساسية،منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948،الذي يقر حق الجميع في التعليم دون تمييز ،وتوضح المادة 26 هذا الحق بشكل خاص،مؤكدةً ضرورة أن يكون التعليم العالي متاحاً للجميع،فضلاً عن ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966،الذي اكد ضرورة المساواة وعدم التمييز بين مواطني الدولة واللاجئين لديها وفقاً لما ورد في المادة (2) ؛وقد انضم السودان للعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية في 1986، وتشاد في 1995.
كما تضمنت إتفاقية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951، وبروتوكولها لعام 1967،بشكل مباشر حقوق اللاجئين ،وتؤكد على توفير الضمانات الاساسية لحمايتهم ،ونصت المادة 22 على ضرورة التزام الدول الاطراف بمعاملة اللاجئين معاملة لا تقل عن تلك الممنوحة للاجانب المقيمين بشكل قانوني في أراضيها بخصوص التعليم الثانوي والعالي.
وحددت الإتفاقية مفهوم اللاجئ في المادة الاولى بانه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه. والسودان وتشاد من الدول الأطراف في الاتفاقية حيث إنضم السودان منذ عام 1974،وتشاد في 1981،أما البروتوكول فقد أنضم اليه السودان في 1974،وتشاد في 1981.
كما أكدت أحكام المادة 12 من الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981،على حق كل شخص عند اضطهاده بان يسعى ويحصل على ملجأ في أية دولة أجنبية طبقاً لقانونها، ويعترف الميثاق بالحق في التعليم كحق أساسي لجميع الافراد دون تمييز متضمناً اللاجئين، واكدت المادة الثانية على حق جميع الافراد في التمتع بالحقوق والحريات المعترف بها في الميثاق دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الاصل الإجتماعي أو الوضع السياسي أو غيره ،بمن فيهم اللاجئين مما يضمن تمتعهم بالحق في التعليم على قدم المساواة مع غيرهم ،وشددت المادة (17) على كفالة الحق في التعليم للجميع ،والسودان وتشاد من الدول الاعضاء في الميثاق منذ 1986.
وتركز الإتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في القارة الأفريقية 1969،على ضرورة حماية اللاجئين في القارة الإفريقية ،وتوسعت في نطاق الحماية لتشمل فئات كبيرة من الاشخاص الذين تاثروا بالأزمات السياسية والإجتماعية ،وقدمت تعريف إضافي للاجئ مقارنة بإتفاقية عام 1951 ،حيث اضافت أي شخص يُجبر على مغادرة بلاده بسبب الاحداث التي تخل بالنظام العام في جزء من بلدهم أو في البلد بأكمله،وتشدد الاتفاقية على ضرورة تقديم الحماية والمساعدة للاجئين وضمان حقوقهم الأساسية في التعليم،كما وسعت الاتفاقية من اسباب اللجوء حيث اُدخلت النزاعات المسلحة ضمن اسباب اللجوء ،وقد صادق السودان على الإتفاقية منذ 1972،وتشاد 1981
على صعيد جواز التقاضي بين الدول يحق لدولة السودان التقدم بشكوى في مواجهة دولة تشاد امام الآليات الدولية ،وذلك لقيامها بسلوك غير متسق مع معايير إعلان الامم المتحدة للعلاقات الودية؛ وإنتهاكها لقواعد القانون الدولي الملزمة ؛على ان تكون مسارات الشكوى ، أمام اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب ،بناءً على أحكام المادة 23 من الميثاق الافريقي الذي أكد على حظر إستخدام الدولة لأراضيها كقواعد تنطلق منها الانشطة التخريبية أو الارهابية الموجهة ضد شعب أي دولة أخرى طرف في الميثاق،فضلاً عن قيامها بسلوك غير متسق مع الإتفاق الثنائي الموقع بين الطرفين، الذي يحظر إستخدام أراضي أي من الطرفين لزعزعة أستقرار الدولة الاخرى،ويشكل في نهاية المطاف خرقا واضحا لمبادئ حسن الجوار.
بالرغم من إختصاص محكمة العدل الدولية بالنظر في إنتهاكات احكام ميثاق الامم المتحدة وقواعد القانون الدولي الانساني، إلا انه لا يمكن تأسيس شكوى في مواجهة دولة تشاد امام المحكمة إلا عندما تكون كلتا الدولتان، السودان وتشاد قد قبلتا الإختصاص الإجباري للمحكمة ،وفقاً لاحكام المادة 36 من النظام الاساسي للمحكمة ،علماً بأن دولة تشاد لم تعلن قبولها للإختصاص الإجباري للمحكمة ،وفقاً لما ورد في الفقرة الثانية من المادة (36) من النظام الاساسي،فضلاً على أن الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب والاتفاق الثنائي بين السودان وتشاد لم يتضمنا نصاً يجيز آلية لحل النزاعات عبر محكمة العدل الدولية.
بناءً على ما سبق يصبح الخيار الوحيد لتأسيس شكوى ضد دولة تشاد أمام اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب ،إستناداً على أحكام المادة 23 من الميثاق الافريقي.
أما فيما يتعلق بمسار الشكوى الخاص بالطلاب السودانيين اللاجئين لدى دولة تشاد ،فقد اكدت الصكوك الدولية على حق اللاجئ وطالب اللجوء في الحصول على التعليم بوصفه حقاً أساسياً من حقوق الإنسان الامر الذي يفرض على دولة تشاد بإعتبارها مضيفة لعدد من الطلاب السودانيين اللاجئين ، توفير البيئة الملائمة لتسهيل تنظيم امتحانات الشهادة السودانية الثانوية على آراضيها بالتنسق مع السفارة السودانية والقنصلية في أبشي،وذلك بإصدار التصاريح والسماح بإستخدام المرافق التعليمية كمراكز مؤقتة،مع توفير الامن لتنظيم الامتحانات..
وعلى الرغم من مصادقة دولة تشاد على العديد من الصكوك الدولية ، إلا أن حرمان الطلاب اللاجئين على آراضيها من حقهم في الجلوس لإمتحان الشهادة الثانوية لعام 2024 يُسئ إلى صورتها في المجتمع الدولي ،ويشكل إنتهاكاً واضحاً لإلتزاماتها الدولية ،ويعرضها للمساءلة أمام الآليات التعاقدية.
كما يمكن لحكومة السودان تاسيس شكوى في مواجهة دولة تشاد أمام محكمة العدل الدولية إستناداً إلى المادة 38 من إتفاقية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951،التي اجازت لاطراف الاتفاقية إحالة النزاع الذي ينشأ بين الاطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية الى محكمة العدل الدولية ،وبما أنً كلا من السودان وتشاد طرفان في هذه الإتفاقية،يمكن الإستناد إلى إنتهاك تشاد لحقوق اللاجئين السودانيين وعدم إلتزامها بتوفير الضمانات االاساسية لهم.
ويجوز مساعدة الطلاب السودانيين لإعداد شكوى كتابية لدى السلطات المختصة بدولة تشاد،مبنية على إنتهاك حقهم في آداء أمتحانات الشهادة الثانوية ،فإذا لم تستجب السلطات التشادية ، يمكن إحالة الشكوى الى اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب وفقاً للمادة (50) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ،التي توجب إستنفاذ الوسائل القانونية المتاحة داخل النظام القضائي لدولة تشاد قبل اللجوء الى اللجنة ،مع تحديد المواد المنتهكة للميثاق،وبعد إستنفاد تلك الوسائل يمكن لحكومة السودان تقديم الشكوى أمام اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب،بإعتبارها الهئية الرئيسية المكلفة بحماية وتعزيز حقوق الانسان في أفريقيا بما في ذلك حق اللاجئين في تلقي التعليم لدى الدول المضيفة ، علماً بأن اللجنة تنظر في الشكاوى المقدمة بين الدول أو من الافراد والمجموعات بشأن إنتهاكات الحقوق المنصوص عليها في الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، ويُلزم الميثاق جميع الدول الاطراف بقبول سلطة اللجنة للإشراف على جميع الحقوق ورصدها.
وإنطلاقاً من ذلك،يمكن لحكومة السودان إتخاذ مسارات قانونية على المستويين الإقليمي والدولي،سواء عبر اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أو أمام محكمة العدل الدولية،للمطالبة بحقوق مواطنيها اللاجئين، فضلاً عن حماية أمنها القومي من أي تهديد قد ينطلق من أراضي دولة تشاد.