الثلاثاء, مارس 11, 2025
الرئيسيةمقالاتالوجود الأجنبي في السودان .. محنة ام منحة .. ...

الوجود الأجنبي في السودان .. محنة ام منحة .. بقلم د.إسماعيل الحكيم..


لطالما كان السودان ، بحكم موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، ساحةً للتفاعل مع القوى الأجنبية، سواء عبر الاستعمار القديم أو النفوذ الحديث الذي تمظهر بأشكال مختلفة، سياسية واقتصادية وعسكرية . ولكن مع اندلاع الحرب الأخيرة ، تعاظم هذا الحضور الأجنبي، فكيف كان أثره؟ وكيف يمكن استثماره لصالح السودان كما تفعل الدول الأخرى؟
فقبل الحرب، كان الوجود الأجنبي في السودان صارخًا وربما كان عشوائياً ، إلا عبر البعثات الدبلوماسية، والشركات الاستثمارية، والمنظمات الدولية التي لعبت أدوارًا متباينة ، بعضها تنموي، وبعضها مرتبط بأجندات سياسية. بل كان النفوذ الأجنبي يمتد إلى قطاعات حيوية مثل التعدين والزراعة ، ولكن دون مردود حقيقي ينعكس على المواطن السوداني، إذ كانت الاستثمارات الأجنبية تتم وفق مصالح الشركات والدول الداعمة لها، وليس وفق رؤية وطنية تستفيد من هذا الوجود بشكل إستراتيجي.
ومع اندلاع الحرب، انكشفت أبعاد جديدة للوجود الأجنبي، حيث تدخلت بعض القوى الإقليمية والدولية بشكل مباشر أو غير مباشر، وبعضها كانت داعمة للمليشيا، وبعضها عبر إدارة الوساطات لتحقيق مصالحها الخاصة. كما أصبح السودان مسرحًا لتدخلات استخباراتية اوسرقة موارده، مما زاد من تعقيد الأزمة. ولم يخلو
الجانب الإنساني من هنات هنا وهناك ، حيث تدفقت المنظمات الدولية تحت لافتات الإغاثة والدعم الإنساني والصحي ، ولكن جزءًا كبيرًا منها عمل وفق أجنداته المحددة مسبقاً ، مما أثار تساؤلات حولها و مدى التزامها بواجباتها . هذا لا ينفي أن بعض الجهات قدمت دعمًا حقيقيًا للمتضررين، لكن المشكلة الكبرى كانت في غياب الإدارة الوطنية الفاعلة التي تضمن توجيه هذا الدعم لصالح السودان، بدلًا من أن يصبح وسيلة للضغط السياسي وتدخلاً في الشأن الداخلي .
هنا يأتي السؤال الجوهري: كيف يمكن الاستفادة من الوجود الأجنبي لصالح السودان؟ فالدول الكبرى لا ترفض النفوذ الأجنبي، لكنها تستثمره بذكاء وفق مصالحها . ويمكن للسودان أن يعيد صياغة علاقاته الخارجية على أسس جديدة تضمن مصلحته الوطنية ، لذلك يمكن ذلك من خلال :-

  • إعادة ضبط الاستثمارات الأجنبية وفرض سياسات استثمارية تجعل الشراكات مع الشركات الأجنبية قائمة على مبدأ “المصلحة المتبادلة”، بحيث تضمن للسودان نسبة عادلة من الأرباح، ونقل التكنولوجيا، وفرص عمل للشباب السوداني.
  • تحويل التدخلات الدولية إلى فرص إعادة إعمار فبدلًا من ترك الدول الكبرى تتدخل وفق أجنداتها الخاصة، يمكن الضغط باتجاه تحويل هذا التدخل إلى دعم حقيقي لجهود إعادة الإعمار، وفق رؤية وطنية تحدد الأولويات، بدءًا من البنية التحتية وانتهاءً بإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية.
  • توظيف الخبرات الأجنبية لصالح السودان فالدول الذكية لا ترفض الوجود الأجنبي، لكنها تضعه في الإطار الصحيح. المفيد زيمكن الاستفادة من الخبرات الأجنبية في التعليم، والصحة، وإدارة الموارد الطبيعية، لكن وفق خطط وطنية واضحة، وليس وفق أجندات خارجية.
  • الاستفادة من المنظمات الدولية بشروط وطنية فبدلاً من ترك المنظمات الدولية تعمل في السودان دون توجيه، يجب أن تكون هناك جهة وطنية تراقب وتحدد مجالات التدخل، بحيث يكون الدعم في إطار احتياجات حقيقية، وليس وفق حسابات الجهات المانحة فقط.
    إن الوجود الأجنبي في السودان واقع لا يمكن إنكاره، لكنه ليس عامل ضعف إذا تمت إدارته بحكمة . فقد رأينا الدول الناجحة لا ترفض النفوذ الأجنبي، لكنها تستفيد منه بشروطها. إذن المطلوب اليوم هو أن يمتلك السودان رؤية واضحة، يضبط به الوجود الأجنبي وتضمن لأي تدخل أو استثمار أجنبي ان يخدم التنمية، ولا يكن استمرار للهيمنة أو التبعية. وهذا التحدي ليس سهلاً، سيما في مستقبل سودان ما بعد الحرب بإذن الله ولكنه ضروري إن أراد السودان أن ينهض من تحت ركام الحرب ويستعيد سيادته الكاملة.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات