الإثنين, يوليو 28, 2025
الرئيسيةاقتصادإلغاء واستبدال العملات الورقية في السودان... ورقة بحثية – أعداد - أبوعبيده...

إلغاء واستبدال العملات الورقية في السودان… ورقة بحثية – أعداد – أبوعبيده أحمد سعيد محمد

يشير مصلح إلغاء العملة أو استبدالها إلى العملية التي يتم من خلالها سحب العملة من التداول، وفقدان وضعها كعملة قانونية مبرئه للذمة ويتم استبدالها بعملة جديدة. لقد مرت العديد من البلدان بعملية إلغاء عملاتها، أو استبدال العملة القديمة بعملة جديدة ذات ميزات فنية عالية تتضمن بعض أسباب إلغاء العملة ما يلي:
1- تيسير التجارة الإقليمية، حيث تتبنى البلدان عملة موحدة، كما كان الحال مع اليورو في عام2002 كعملة موحدة لدول الاتحاد الأوربي.
2-السيطرة على التضخم، حيث يتم إلغاء عملة بلد ذات قيمة متناقصة واستبدالها بعملة أكثر استقرارا، كما كان الحال مع الدولار الزيمبابوي في عام 2015.
3- مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة مثل العملات المزيفة وغسل الأموال والتهرب الضريبي وعمليات النهب والسرقة التي حدثت للعملة الوطنية أو أموال المواطنين نتيجة للحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي. وبالتالي تؤدي عملية الغاء العملة إلى إجبار الجناة على إعادة العائدات إلى النظام المالي الرسمي خلال فترة السماح المحددة.
العملات السودانية بعد استقلال 1956

  • سبتمبر 1956 جمعت الحكومة السودانية العملات المصرية والانجليزية وسلمتها للحكومة المصرية وأصدرت لجنة العملة السودانية في 1956 عملة ورقية وأخري معدنية.
  • 1960 تم إنشاء بنك السودان المركزي وصار له حق اصدار العملات بنص قانون الانشاء.
  • 1970 تم تغيير العملة السودانية لأسباب فنية لتفادى التزوير.
  • في 8 يونيو 1992 تم إصدار عملة الدينار واستبدالها بالجنيه بسعر واحد دينار يساوي 10 جنيهات
  • في 10 يناير 2007 تم الغاء الدينار والعودة الي فئة الجنيه بسعر ا جنيه يساوي 100 دينار.

دراسات حالة لإلغاء العملة عالميا
ا. النجاح في إلغاء الدولار الأسترالي في عام 1988.
في عام 1988، قام البنك الاحتياطي الأسترالي الأوراق النقدية (البوليمرية- خليط من الجزئيات الموحدة تتكون من مونومرات وبلاستيك) لتحل محل العملة الورقية القديمة. وكان الهدف من ذلك هو الحد من العملات المزيفة، بسبب الميزات الأمنية العالية للأوراق النقدية الجديدة التي جعلت من الصعب تزويرها.
تشمل العوامل الرئيسية التي أدت إلى إلغاء عملة الدولار الأسترالي بنجاح ما يلي:

  • ميزات الأمان العالية لعملة البوليمر التي جعلت من الصعب على المزورين تكرارها،
  • استغرقت السلطات وقتا كافيا – عشرون عاما للبحث وتطوير وإجراء تجارب على الأوراق النقدية من الجيل الجديد (1968-1988).
  • قام الاحتياطي الفيدرالي الأسترالي بإشراك البنوك التجارية والاستثمارية في مرحلة التسويق قبل إجراء عملية الاستبدال.
    ب. إلغاء العملة الهندية في عام 2016؛
    في عام 2016، أعلن البنك الفيدرالي الهندي بشكل غير مسبوق عن إلغاء الأوراق النقدية من فئة 500 و1000 روبية، مما منح حاملي العملات شهرين لإيداع الأوراق النقدية لدى المؤسسات المصرفية.
    تضمنت أسباب إلغاء هذه الأوراق النقدية من فئة 500 روبية و1,000 روبية ما يلي:
  1. كبح الأنشطة غير المشروعة مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على النقد،
  2. إدراج عدد كبير من السكان الذين لا يتعاملون مع البنوك، ويقدر عددهم ب 32.5٪ من السكان القابلين للتمويل وفقا لتقرير المؤشر العالمي للتمويل الائتماني لعام 2015، في النظام المالي،
  3. تعزيز الإيرادات الحكومية من خلال زيادة القاعدة الضريبية مع إدراج القطاع غير الرسمي في النظام المالي،
  4. خفض أسعار الفائدة بسبب زيادة مدخرات الجمهور في المؤسسات المالية والسيولة المتوقعة لأسواق المال.
    واجهت سياسة إلغاء العملة الهندية العديد من التحديات، حيث فشلت في كبح التدفقات المالية غير المشروعة. تضمنت بعض نتائج سياسة إلغاء العملة ما يلي:
    ا. تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بسبب المشكلات النظامية التي أدت إلى نقص السيولة وتعطيل الشركات الصغيرة.
    ب. زيادات حادة في المعاملات الرقمية مع تبني المواطنين لحلول الدفع الإلكتروني للراحة.
    ت. تعطل الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب الاعتماد الشديد للشركات على المعاملات النقدية، مما أدى إلى تباطؤ القطاع.
    ث. زيادة عدد دافعي الضرائب وبالتالي الإيرادات الحكومية، حيث تم دمج المزيد من الهنود في النظام المالي الرسمي.
    ج. وتمكنت الأموال التي يتم الحصول عليها من خلال الأنشطة غير المشروعة من العثور على طريقها للعودة إلى النظام المالي.
    الدروس المستفادة من سياسات إلغاء العملة في الهند وأستراليا
  5. قد يكون لإلغاء العملة تأثير ضئيل أو معدوم على العمليات الغير مشروعة من غسل أموال وغيرها من العمليات الغير مشروعة. كما في حالة الهند، حيث تم دمج ما يصل إلى 93.0٪ من العملة القديمة في النظام المالي،
  6. ومن المرجح أن يؤدي إلغاء العملة إلى زيادة الإيرادات الحكومية، حيث يتم إدراج القطاع غير الرسمي في النظام الرسمي.
  7. قد يؤدي التنفيذ المفاجئ أو قصير المدة لإلغاء النقود إلى نقص حاد في السيولة خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة مما يؤدي إلى انخفاض الناتج الاقتصادي الإجمالي والتأثير السلبي على الاستثمار.
  8. مع التحول إلى اقتصادات أكثر رقمية، وإدراج القطاع غير الرسمي في النظام المالي، وخفض أسعار الفائدة، وزيادة الإيرادات الضريبية على المدى الطويل، من المرجح أن تعزز سياسات إلغاء النقود النمو الاقتصادي، إذا تم تنفيذها بكفاءة.
  9. يمكن معالجة تحدي العملة المزيفة في الاقتصاد من خلال اعتماد عملة جديدة ذات ميزات أمنية معززة مثل أوراق عملة البوليمر التي اعتمدتها أستراليا في عام 1988.
    الآثار المتوقعة لسحب الأوراق النقدية الحالية المتداولة من قبل بنك السودان المركزي
    الآثار الفورية
    ا. التأثير على أسواق المال والبنوك
    يعتمد تأثير عملية استبدال العملة على الوقت الذي سيمنحه بنك السودان المركزي لاستبدال الأوراق القديمة من العملة بفئات العملة الجديدة فكلما كان الوقت كبيرا وكافيا فان خطوة الاستبدال سيكون تأثيرها ضئيل او معدوم على سيولة أسواق المال (سوق الخرطوم للأوراق المالية – متوقف بسبب الحرب) والبنوك العاملة في السودان – متوقف جزء كبير من فروع البنوك بسبب الحرب، لذلك يعتمد التأثير على العوامل الاتية:
    1- مدة الفترة المسموحة للاستبدال : ستمنح الفترة الانتقالية الطويلة لعملية الاستبدال البنوك وقتا كافيا لاستبدال الأوراق النقدية من بنك السودان وبالتالي تنعدم مشكل السيولة وهنا اخشي علي الولايات الأمنه ازمة سيولة كالتي مرت علي الجهاز المصرفي في السودان في الأعوام 1992 ، 2017، 2018 وأدت الي خروج 95% من الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي في خزن وفي بيوت المواطنين وفقدان الثقة في الجهاز المصرفي وعملية بيع الرصيد المصرفي مقابل الأوراق النقدية من العملة وهي من الأسباب التي أدت الي عدم الاستفادة من مدخرات المواطنين في عملية التنمية الاقتصادية ، حيث انه من المفترض ان تتحول مدخرات المواطنين الي استثمارات بواسطة البنوك وسوق الخرطوم للأوراق المالية .
    2- الإصدار التدريجي: إن الإصدار التدريجي للأوراق النقدية الجديدة عن طريق إلغاء الأوراق النقدية والجداول الزمنية غير المحددة للتخلص التدريجي من الأوراق النقدية من فئات أخرى، يعطي البنوك مجالا للتكيف مع العملة الجديدة مع الحد الأدنى من الاضطراب في الأسواق وأزمة السيولة خاصة وان هناك حصاد للموسم الصيفي ونحن مقبلين كذلك على الموسم الزراعي الشتوي.
    3- من السهولة للمواطنين الذين يقطنون في الولايات الأمنه فتح حسابات مصرفية كخطوة لعملية استبدال الفئات الورقية القديمة من العملة السودانية، وعلى بنك السودان المركزي اصدار منشورات منظمة تشجع وتقلل المستندات والإجراءات المطلوبة لفتح الحسابات (خاصة حسابات الادخار) طرف البنوك وزيادة عدد فروع البنوك العاملة ومكاتب الصرف في الولايات الأمنه لتوسيع مظلة الشمول المصرفي واستيعاب الكثير من المصرفيين الذين افقدتهم الحرب وظائفهم في عملية الاستبدال.
    ب. الأثر على الأنشطة المالية غير المشروعة – عمليات النهب والسلب التي تمت للبنوك والمواطنين
    ومن المرجح أن تساعد سياسات إلغاء النقود بشكل كبير على عملية تتبع للأموال المسروقة والمنهوبة، إذا تم تنفيذها في غضون فترة زمنية قصيرة وتمت العملية في جميع ولايات السودان في وقت واحد ومن خلال عمليات فتح الحساب لجميع الذين يودون استبدال أموالهم من الفئات القديمة مع تفعيل قوانين ولوائح مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب وربط عملية الأموال المودعة بمصادر الدخل. ومن المرجح أن يكون لسياسة إلغاء النقود التي تعطي فترة انتقالية طويلة لعملية الاستبدال والتي لا تكون في جميع الولايات السودانية في وقت واحد وليست ومن خلال فتح حسابات لجميع المواطنين الذين يودون استبدال ما لديهم من عملات قديمة بعملات جديدة لأن عندها لن يكون هناك وقت كافي للذين تحصلوا على هذه الأموال بطريقة غير مشروعة الوقت الكافي لتوفيق أوضاعهم مع العملة الجديدة وغسل مصادر تلك الأموال التي حصلوا عليها لطريقة غير مشروعة.
    وتشمل التدابير التي قد يستخدمها الذين نهبوا البنوك وأموال الموطنين ومرتكبو الفساد للتحايل على سياسة إلغاء العملة بما يلي:
  • استخدام العديد من المودعين من خلال الأموال عبر الأرصدة المصرفية الهاتف المحمول مقابل مبالغ نقدية حتى وان تم ذلك عبر شراء الرصيد مقابل النقد – الكاش وبقيمة اقل للرصيد النقدي في الحساب مقابل الكاش.
  • شراء الذهب والسيارات والأصول مخزن للقيمة ولتضييع الأثر في عملية تتبع جرائم غسل الأموال ومكافحة الإرهاب واموال المخدرات والنشاط الطفيلي خارج المظلة الضريبية.
  • تحويل النقود المحتفظ بها نقدا أو في الحسابات المصرفية الي عملات أجنبية الشي الذي يساهم في تدهور سعر صرف الجنيه السوداني.
    ت. التأثير على مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة
    ث. يعتمد الافراد والمؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة الحجم في دولة كالسودان اعتمادا كبيرا على المعاملات النقدية، وقد تبين أن إلغاء العملة المفاجئ له آثار خطيرة على الاقتصاد، كما حدث خلال عمليات استبدال العملة الأول والثاني وفي عامي 1992-2007 حيث واجهت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نقصا في السيولة مما أدى إلى تقليص الأعمال في كثير من الأحيان وذلك ازمة السيولة في عامي 2017 و2018. من المرجح ان تخلق عملية استبدال العملة ازمة في السيولة ان لم تتم بطريقة تجعل هناك سيولة متوفرة في الجهاز المصرفي لمقابلة سحوبات العملاء، وتفعيل التحاويل المصرفية عبر التطبيقات البنكية كبديل لاستخدام الأوراق النقدية من العملة في المعاملات.
    الآثار طويلة المدى
    ا. التعميق المالي والشمولية
    تجبر سياسات إلغاء العملة السكان على إيداع العملات القديمة لدى البنوك السودانية، مما يؤدي بالتالي إلى تعزيز الشمول المالي خاصة في المناطق الريفية في الولايات الأمنه على سبيل المثال في السودان، حيث سوف يتم فتح حسابات مصرفية جديدة في الفترة التي أعقبت الإعلان عن إلغاء العملة النقدية. ونظرا لانخفاض معدل الشمولية المصرفية والمالية في السودان 95% من الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي، خاصة بعد الحرب فمن المفترض على بنك السودان تشجيع المصارف لفتح فروع في ومكاتب صرف في الأقاليم والولايات تساعد في عملية الاستبدال والالغاء، وهذه الخطوة سوف تزيد في معدلات الشمول المصرفي

التأثير على الرقابة النقدية والاستقرار المالي
من المتوقع أن يؤدي إلغاء العملة إلى المزيد من الإنفاق الاستهلاكي من المرجح أن تؤدي زيادة الإنفاق الاستهلاكي إلى ارتفاع مستويات التضخم في البلاد. لذلك فعلي اللجنة الوطنية لاستبدال العمل وبنك السودان المركزي العمل على تشجيع التمويل المصرفي الإنتاجي لامتصاص معدلات التضخم من خلال السياسة النقدية لبنك السودان لعام 2025 والسياسة المالية لوزارة المالية بتقليل الصرف الحكومي واعتبار موازنة 2025 موازنة حرب.
التحديات المتوقعة في التنفيذ
1 – عدم القدرة على تنفيذ عملية الاستبدال في جميع ولايات السودان في وقت واحد بسبب الحرب وبالتالي طول الفترة يجعل من عملية مكافحة الأوراق النقدية المزورة والأموال المنهوبة ليس بالعملية السهلة، ويسهل من عملية إدماج الأموال المنهوبة في الاقتصاد وغسلها لتتضيع عملية تتبع مصدر الأموال.
2- عدم وجود العدد الكافي من البنوك ومكاتب صرف البنوك حتى في الولايات الامنة للقيام بعملية الاستبدال والالغاء بطريقة سهلة وميسرة حتى لا يتم خلق سوق سوداء لتبادل النقد مقابل الرصيد.
3- عدم وجود ماكينات كشف للعملات المزورة بصورة كبيرة والاعتماد على الخبرة والحواس في عملية الكشف عن التزوير للعملات المتداولة.
4 – التكلفة التي يدفعها المواطن مقابل إصدار العملة الجديدة، ومخاطر تزوير العملة الجديدة مستقبلا إن لم يتم أخذ كافة التحوطات الفنية في عملية الطباعة.
.
استنتاج :
غالبا ما يهدف إلغاء العملة إلى الحد من الأنشطة غير المشروعة مثل عمليات تزوير العملة، مكافحة التضخم في الاجل القصير، فضلا عن تعزيز الشمول المالي والمصرفي. ومع ذلك، فشلت الدراسات الحديثة التي أجريت على بلدان مثل الهند وميانمار والسودان في إثبات فعالية هذه التحركات السياسية للحد من التدفقات المالية غير المشروعة لعمليات تزوير العملة وتعزيز الشمول المالي والمصرفي وذلك لتنفيذ المفاجئ لسياسات إلغاء العملة خاصة في البلدان النامية التي تفتقر إلى البنية التحتية المصرفية الكافية وعدم توفر السيولة الكافية في السوق اثناء عملية التبادل ، وتجميد التجار لبيع السلع الأساسية بسبب عدم اليقين، وذعر المستثمرين بشكل عام على المدى القصير، وهي عوامل تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. ومع ذلك، إذا تم تنفيذ هذه السياسات بشكل جيد على المدى الطويل، فمن المتوقع أن تؤدي إلى مزيد من تعزيز الشمول المالي وزيادة النمو الاقتصادي، توسيع المظلة الضريبية وبتالي زيادة الإيرادات الحكومية، زيادة حجم الودائع المصرفية وبالتالي قدرتها على الإقراض. ومع هذا كله يجب تبني سياسات مالية ونقدية تحفز الإنتاج ويجب عدم الاعتماد على سياسة نقدية لطبع أعداد ضخمة من النقود لتمويل عجز الموازنة بالاستدانة من النظام المصرفي فهو التضخم الجامح بعينه.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات