لم تك الحرب وحدها طاحنة للسكان المدنيين بمدينة الفاشر، بل أيضاً، الفلسفة الجديدة في المعاملات التجارية عبر التسويق الإلكتروني أو”تطبيق بنكك” حيث يتمادى التجار في “طحن” عظام المتسوقين بتضاعف سعر المنتج مقارنة مع عملية البيع والشراء نقداً.
وهنا يبرز الفارق الكبير في العملية الشرائية بين البيع الإلكتروني والنقدي أو”بنكك والكاش” في بعض المواد التموينية في الأسواق المحلية للمدينة.
سلعة السكر يباع بواقع 335,000ج “بنكك” بينما نقداً بواقع 225,000ج، أما سلعة الدقيق زنة 25 كيلوجرام يباع “بنكك” بواقع 150,000ج، في حين يباع بواقع 80,000ج نقداً. وزيت الطعام عبر بنكك بواقع 70,000، بينما يباع نقداً بواقع 65,000. أما الأرز “بنكك” زنة 25 كيلوجرام يباع بسعر 200,000ج، فيما يباع نقداً بسعر 160,000، وذات العملية ينسحب على سلعة العدس، أما صندوق الصابون ماركة “أبونجمة” يباع إلكترونياً بسعر 130,000ج بينما نقداً يباع بواقع 90,000ج.
وعزا محدثي “وهو أحد التجار الإجماليين” الفرق الكبير بين البيع النقدي والإلكتروني إلى أسباب بعضها منطقية إلى حد ما وأخراها غير ذلك.. وبحسب قوله:” بأنهم يتعاملون مع الموردين بالبيع الإلكتروني، وهنا يظهر الفارق لأن هذه العملية التجارية ترتفع فيها الأسعار أيضاً مقارنة عند جلبهم البضائع بالمبايعة النقدية”.
وتابع في سرده للفروقات بين العمليتين الشرائيتين: منها الجبايات التي يدفعها التجار في الطرقات، بالإضافة إلى عمولة الترحيل، تزيد أيضاً من سعر المنتج، ولم ينسَ المتحدث من ذكر دور الوسطاء أوالسماسرة من هذه العملية التجارية، وذكر أيضاً: أن إحتكار التجار للسلع التموينية بغية كشف السوق عامل من العوامل التي تضاعف أسعار المنتجات، وأضاف بأن شح السيولة النقدية في السوق؛ نشَّط الحراك التجاري إلكترونياً، وبما يسمى “بيع الكسر” من أجل الحصول على السيولة، هذا النشاط وفقاً لمحدثي، مهد طريقاً للتجار لاستغلال المشترين، فالمشتري الذي يرغب في الحصول على أموال نقدية، فعليه “على سبيل المثال” شراء كرتونة صابون بواقع 130,000 جنيه، وبيعها بسعر 70,000 أوأقلَّ منه، وبالطبع فإن محصلة الخسارة تكون 60,000 جنيه. وقس على ذلك على بقية السلع.
قطعاً هنالك إقرارات وإعترافات متفقة عليها في حديث التاجر، منها الإحتكار، والاستغلال، وشح السيولة النقدية المتداولة، كلها عوامل تؤثر سلباً في زيادة السعر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد لا يتفق الكثير مع حديث التاجر والمسوغات التي ساقها في خصوص توريد البضاعة وهنالك فرق في عملية البيع. وهنا لا أحسب أن عمالقة التجار والموردين المقيمين في ولايات السودان الآمنة لهم سعران مختلفان “نقداً كان أوإلكترونياً” بحكم أن تلك الولايات الآمنة -أدامها الله أمنها واستقرارها، وألحق نظيراتها الأخريات بالأمن والاستقرار كذلك- لا أحسب تعاني من أزمة في السيولة، يجعل أولئك التجار يفضلون البيع النقدي على التوريد الحسابي مباشرةً؛ فبالتالي تظهر وحدة الأسعار كان ذلك نقداً أم إلكترونياً، وهذا المبرر المساق مستبعد كلياً من هذه المقدمة، لتكون نتيجتها زيادة في سعر “بنكك”.
وبذات النظرة، أن البضائع المرحلة إلى هذا الإقليم يشترك فيها التجار المحليون في عملية دفع الجبايات المفروضة عليهم، ودفع تكاليف الترحيل، والمشاركة أيضاً في الدفع للوسطاء أوالسماسرة إن وجدوا، ومع ذلك أن الشراء النقدي في هذه الأسواق منخفض كثيراً مقارنة “ببنكك” كما يكسر فرضية وجود سعرين مختلفين لذات المنتج.
زبدة القول: أن تسعى حكومة ولاية شمال دارفور المجتهدة كثيراً في ظل هذه الحرب، في الملفات الإنسانية، والصحية، إلى إنشاء آلية إقتصادية تدرج ضمن لجان الطوارئ المكونة بالولاية لرقابة حركة السوق، والتأكد من سلامة، وجودة، وصلاحية المواد المستوردة، ومنع الإحتكار وتخزين المواد، والاستغلال من قبل التجار للمستهلكين، والسعي الجاد إلى توفير كتلة نقدية، بمخاطبة المالية الاتحادية بضرورة صرف رواتب العاملين بالدولة نقداً، التي لا تساعد بدورها من معالجة أزمة السيولة التي توازي الحرك والنشاط التجاري القائم بأسواق الولاية وحدها، بل تساعد على محاربة النشاط الربوي، وبيع الكسر أيضاً.
وهنا لابد من الإشادة بوالي ولاية شمال دارفور المكلف، الحافظ بخيت محمد، بتوجيه الأجهزة الأمنية بالولاية بوضع يدها على ملف المضاربات وخوض حرباً أخرى ضد الربويين والمحتكرين، وكل الأنشطة الفتاكة بمعايش الناس، ولكن هذه المسألة كما أشرت آنفاً تتطلب إصدار قرار ولائي يفضي بموجبه بتكوين لجنة إقتصادية متكاملة ذات صلاحيات وسلطات واسعة تراقب وتعاقب متجاوزي القرار والتوجيه الصادر من قبل حكومة الولاية ضماناً للقضاء أولاً، على إزالة الفروقات الكبيرة بين البيع النقدي والإلكتروني بالتركيز على خفض سعر المنتج إلكترونياً إسوة بالبيع النقدي، مع أهمية توعية وتشجيع الجمهور والتجار بالتعامل الإلكتروني، نظراً بأن المرحلة الراهنة والقادمة تفرض عملية رقمنة المعاملات التجارية والمالية.وتخول للجنة أيضاً القضاء على مظاهر المضاربات، والربا، والإحتكار، ومكافحة تداول فئات نقدية مزورة بدأت تغزو أسواق المدينة في هذه الأيام،بعد سماع نبأ تغيير العملة خاصة فئة “1000” جنيه، وكل هذا من شأنه أن يكبح جماح جشع التجار، وممارسي الربا، والتمكن من القبض على ضبطيات من العملات المزيفة.
muhammed14209@gmail.com