حين يلمس المواطن التغيير على الأرض، لا حاجة لكثير من الشعارات أو الوعود، فالنظافة – تلك القيمة الحضارية الأصيلة – لا يمكن تزويرها أو إخفاؤها، إذ يشهد لها الشارع والسوق والميدان. وقد عدتُ إلى القضارف بعد غياب شهر، فكان أول ما استوقفني ذلك التغيير الواضح واللافت في نظافة المدينة؛ الأسواق أخف زحامًا بالأوساخ، الخيران لم تعد مكبًّا للعفن، والساحات العامة عادت تتنفس.
هذا ليس أمرًا عابرًا، بل هو إنجاز يستحق الوقوف عنده؛ لأنه يشير إلى أن مسؤولًا ما، أو فريقًا ما، قرر أن يتحمل المسؤولية بصدق، وأن يُخرج المدينة من عباءة الإهمال إلى ثوب يليق بها وبأهلها.
إن ما قامت به بلدية القضارف – إدارةً وعمالًا ومشرفين – عمل يستحق الإشادة والتكريم، لا لمجرد أنه تنظيف لمكان، بل لأنه إعادة الاعتبار لكرامة الإنسان، وتعبير عملي عن أن الخدمات ليست مجرد واجب إداري، بل رسالة إنسانية ووطنية سامية.
ولعلنا في هذا المقام، ونحن نكتب ونشهد، نوجه التحية لكل من شارك في هذا التحول: من مدير النظافة الذي ربما لم يعرف الراحة، إلى العامل البسيط الذي يكدّ في صمت فجر كل يوم. أولئك الجنود المجهولون الذين يحملون المكان على أكتافهم ويمنحوننا مدنًا نظيفة دون أن نسمع منهم شكوى.
من هنا، نطالب بتكريم رسمي وشعبي لكل من ساهم في هذا الإنجاز، وليكن هذا التكريم فاتحة لثقافة جديدة تُعلي من قيمة العامل والمشرف، وتربط الكفاءة بالاحترام، وتربّي فينا عادة الاعتراف بالجميل.
وإن كانت هناك رسائل ختامية، فهي ثلاث:
للمواطن: حافظ على ما تم، فالنظافة مسؤولية جماعية.
للمسؤول: استمر، فقد بدأت تزرع الأثر.
وللإعلام والمجتمع: لا تبخلوا بالإشادة، فالثناء يزرع الدافعية.
القضارف تتنفس من جديد… فشكرًا لمن منحها الهواء النقي.