الوطنية ليست مجرد شعار يُرفع، ولا موقفًا سياسيًا مؤقتًا، بل هي انتماءٌ عميق، وإحساسٌ متجذر بالمسؤولية تجاه تراب الوطن وأهله، ودافع دائم لبذل الجهد والتضحية في سبيله، أيًا كانت الظروف، وأيًا كان الحاكم.
لقد أوقعنا الكثير من القادة والإعلاميين – للأسف – في فخٍّ عاطفي خطير، يتمثل في اختزال مفهوم الوطنية في تأييد النظام الحاكم أو التمرد عليه، وجعل الولاء أو المعارضة معيارًا وحيدًا للحكم على وطنيّة الأفراد. هذه ثنائية خطيرة لا تليق بوطن جُبل تاريخه بالتنوع والتعدد والاجتهاد في الرؤى.
في الحقيقة، الوطنية لا تعني أن تساند النظام في الحق والباطل، ولا أن تعارضه في كل شيء. بل تعني أن تضع الوطن فوق الجميع، أن تساند كل من يخدم الوطن بإخلاص، وتعادي كل من يخونه، أيًّا كان موقعه.
الوطنية الحقّة تُقاس بما يلي:
مدى التزامك بالعمل الجاد والنزيه لخدمة الوطن.
استعدادك للتضحية بنفسك من أجل استقلاله ووحدته.
حرصك على المال العام، ومناهضة الفساد أينما كان.
سعيك الدؤوب لتثقيف شعبك، وتحفيزه نحو البناء والتغيير.
رغبتك الصادقة في رؤية وطنك مزدهرًا آمنًا مستقلاً.
أما الوطنية الزائفة، فهي التي تتغذى على العواطف، وتلبس ثوب الولاء الزائف، أو تمارس المعارضة من أجل مصالح ضيقة، دون أن تقدّم أي بديل حقيقي.
إن الوطنية اليوم هي أن ننتصر لوطننا لا لأشخاص، أن نكسر قيود الولاءات القبلية والحزبية والمناطقية، وأن نحمل معاول البناء لا معاول الهدم. أن نقف مع جيشنا في معركة الشرف، ومع شعبنا في معركة الوعي، ومع مؤسساتنا في معركة التأسيس.
في لحظات التحول التاريخي التي تمر بها بلادنا، نحن بحاجة لوطنيين حقيقيين، لا لشعارات جوفاء. بحاجة لأناس يعملون بصمت ويبنون بثبات، ويقاومون الفساد كما يقاومون الخيانة.
الوطن ليس شعارًا في بوستر ولا هتافًا في مظاهرة. الوطن روحٌ تسكنك، ومسؤولية تلازمك.
فلنكن صادقين مع أنفسنا، ولنجعل من الوطنية منطلقًا للفعل، لا أداةً للمزايدة.