لا يوجد أدني شك إن الطبع يغلب التطبع، يغلبه لكن لا يلغيه البته، يعنى لو من طباعك طبع يتأذى به غيرك، حاول أن (تدرب) نفسك على تعديله، ولو نسبيا وستجد أن طبعك يغلب مرتين تطبعك، نتيجة تطويع نفسك سوف يغلب مرة، لا داعي لقول كلمة انا (طبعى) كده لأنها مستفزة فى كل الأحوال، مثلا أن تقول من طبعى (الصراحة) وانت لا تدري أن بين الصراحة والوقاحة شعرة إسمها (الإسلوب) وبين النفاق والمجاملة شعرة اسمها (الذوق) انا لا اسامح من أخطأ فى حقى من غير الإحاطة ولو لحظة بالخلفية النفسية للمخطئ، لذلك مابين المسامحة والعقاب شعرة إسمها (الرحمة) قولك أنا ما بعرف اقول كلام (حلو) لكن تصرفاتى (حلوة) وأنت قد لا تدري أن الكلمة الحلوة بالنسبة (للزوجة) لا تقل اهمية عن رعايتك لها، وإلا ما معنى حديث الرسول صل الله عليه وسلم ( الكذب كذب إلا فى ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل لأمرأته ) حتى لو طباعك حميدة، مثل الصدق والصراحة ياليتنا نوظفها التوظيف الذي يتناسب مع التركيبة النفسية للناس، فى محيط تعاملك وهذا يعتبر جزء من محاولة التطبع، علي الرغم من أن الطبع فعلا قد يغلب التطبع لكن… ما لا يؤخذ كله لا يترك جله لازم نحاول ولا نمل المحاولات في سبيل تغيير هذا النمط من الأساليب المزعجة للآخرين، يكفي أن جهاد النفس مأجورين عليه، يحكي أن أعرابية وجدت في البادية (جرو) ذئب صغير قد ولد للتو، فحنت عليه وأخذته وربته، وكانت تطعمه من حليب شاة عندها وكانت الشاة بمثابة الأم لذلك الذئب، وبعد مرور الوقت عادت الأعرابية يوماً لبيتها فوجدت الذئب قد هجم على الشاة وأكلها، فحزنت الأعرابية على صنيع الذئب الذي عرف طبعه بالفطرة فأنشدت بحزن تقول :
أكلت شويهتي وفجعت قلبي
وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها وربيت فينا فمن أنبأك أن أباك ذيب….؟!
إذا كان الطباع طباعُ سوءٍ
فلا أدب يفيد ولا حليب
_ بعد معارك شرسة مع الحياة تتغير خلالها مفاهيم وقناعات ونخسر (شوية) طيبة على (شوية) براءة وتبدأ النظارة الشفافة عدساتها تغمق نسبيا وتتعمق رؤيتنا للأحداث والناس ونستقبل الصدمات بهدوء وثبات إنفعالى.. رصيد هذه المعركة عبارة عن دروس أو (عكاز) نسند عليه الباقى من اعمارنا، قد ندفع ثمنها غالى، وكما يقولون الحياة لا تعطى دروس (مجانية) لأحد لكنها بتجنبنا السقوط والوجع فى مرحلة عمرية قد لا نحتمل فيها ما كنا نحتمله من قبل..!!!
_ مما لا شك فيه أن الأيام تعلمك أن لا تثق بغصن (هش) وأن لا ترجو السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء..وأن لا تشرب من معين قد كدر صفاؤه، وأن تتقن فن التخلي والتسامي بنفس عزيزة، وأن تحفظ جهدك ووقتك لما يستحق، وستدرك أن كل تجربة مهما كانت موجعة تهديك خبرة للحياة، حيث أن تراكم الأيام والخبرات تجعل الفرد أكثر تحملا وصبرا لما يعصف به من تصاريف الحياة ومنعرجاتها، المتعددة والمتلونة والعجيبة يوما ترى (يسرا) ويوم ترى (عسراْ) فالإنسان خلق في كبد، فالطبيعي كلما كبر هذا الإنسان كلما نضج في حياته ويتعلم من محيطه منهم من (تألم) فتعلم ومنهم من عركته الحياة فكون رصيد ضافي وزخيرة (حبلي) بالتجارب تعينه علي معرفة البشر والحياة عامة بأكثر وضوح وتكون تلك الأيام بمثابة عملية (غربلة) لكل شيء، وبتحكيم العقل، أكثر في جل الأمور، وهذا جله يأتي بعد صراع طويل ومرير وبعد تجارب وخبرات قاسية في معترك الحياة لابد لنا من الصبر والحكمة، وطول البال لكل شيء إذ أن الحياة الدنيا كلها إبتلاءات ربانية يبتلي الله بها عبده بالمصائب تارة وبالنعم تارة، ليعلم من يشكر ومن يكفر ومن يطيع ومن يعصى ثم يجازيهم يوم القيامة ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) وأختم بحديث النبى صلى الله عليه وسلم
(ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة قالوا بلى يا رسول الله قال أحسنكم أخلاقا ) ولكى نستقر فى هذا المكان وهذه المكانة العالية، علينا أن نسعى إلى تطبيع أنفسنا.