الجمعة, يونيو 20, 2025
الرئيسيةمقالاتبناء المناهج لا يكتمل بلا قيم بقلم/ عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن

بناء المناهج لا يكتمل بلا قيم بقلم/ عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن


إذا كانت التجربة المؤلمة للحرب قد فرضت على الدولة إعادة النظر في فلسفة التعليم، فإن مجرد تضمين سردية الحرب وحده لا يكفي.
بل لا بد أن تُبنى المناهج حول قلب نابض بالقيم السامية التي تحفظ المجتمع وتحرس الدولة من الانهيار مجددًا.

فلا تعليم يُرجى منه بناء وطن ما لم يَغرس في النشء:

الولاء للوطن قبل الأشخاص

الشفافية كمبدأ لا شعارات

احترام القانون كأساس للعدالة

الصدق والنزاهة في القول والعمل

المسؤولية المجتمعية كجزء من المواطنة

هذه ليست ترفًا تربويًا، بل حصون داخلية للدولة القادمة.


زرع الولاء لا تلقينه

من أخطر ما ورثناه عن نظم الحكم الفاسدة هو تحويل “الولاء” إلى أداة خنوع للحاكم لا وفاء للوطن.
لذا يجب أن تُعلَّم الأجيال الجديدة أن:

الولاء لا يعني التصفيق للسلطة، بل الدفاع عن المبادئ

أن الدولة لا تُبنى على عبادة الأشخاص، بل على احترام المؤسسات

أن حب الوطن لا يُختزل في شعار، بل يظهر في احترامك للنظام العام، لموظف المرور، وللمعلم، ولممتلكات الدولة


القانون ليس خيارًا.. بل هوية دولة

من يقرأ تجربة السودان خلال السنوات الماضية، يدرك أن أكبر أسباب الانهيار لم تكن فقط السلاح، بل غياب المرجعية القانونية الصارمة.

حين يختفي القانون، يظهر السلاح

حين تُغيَّب العدالة، يظهر الطغيان

وحين ينهار مبدأ المحاسبة، يُفتح الباب أمام الخيانة والتآمر

لذلك، على المناهج أن تُربّي الطفل السوداني منذ صغره على أن القانون ليس عدوًا له، بل حاميًا لهويته وكرامته، وأن تجاوز القانون لا يُعد شطارة، بل مقدمة للخراب الجماعي.


القيم كأداة للبقاء والاستمرار

القيم ليست تجميلًا للمقررات، بل هي البنية التحتية المعنوية للدولة.
فكما لا تُبنى المدن دون قواعد هندسية، لا تُبنى الأوطان دون قواعد أخلاقية.

لقد رأينا في سنوات الحرب كيف أن انهيار القيم أدى إلى:

خيانة الجار لجاره

المتاجرة بمعاناة النازحين

تبرير القتل باسم الجهوية أو المصلحة

تسويق الكذب كنوع من “الذكاء السياسي”

كل هذا لا يداويه قانون فقط، بل قيمة داخلية متجذرة في التربية والتعليم.


ختامًا: مدرسة اليوم.. دولة الغد

إن كل درس يُعلَّم اليوم في صفوف الأطفال، هو قانون يُكتب لمستقبل السودان.

إذا علَّمنا أبناءنا الوطنية، صنعنا جنودًا لا يُباعون

إذا علَّمناهم الشفافية، أنشأنا قادة لا يسرقون

إذا علَّمناهم احترام القانون، غابت عنا المليشيات والفتن

وهكذا تتحوّل المدرسة إلى مصنع للدولة، لا مجرد مساحة تعليمية.
وهكذا يبدأ السودان في النهوض من رماده، لا بخطب المنصات، بل بدروس القيم في قاعات الصفوف.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات