الثلاثاء, يونيو 17, 2025
الرئيسيةمقالاتغرف العمليات السوداء: من يدير فعلاً ضربات الطائرات ضد طهران؟بقلم: –...

غرف العمليات السوداء: من يدير فعلاً ضربات الطائرات ضد طهران؟بقلم: [الطيب الفاتح أحمد الشمبلي ] – كاتب وباحث مستقل متخصص في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية، يركز على القضايا الإفريقية والخليجية.حين تنطق الطائرات وتَصمت الدول :


في زمنٍ تتحدث فيه الآلات بدل البشر، وتُدار الحروب من خلف شاشات مظلمة، بات الشرق الأوسط ميدانًا مفتوحًا لحرب “الظلال الرقمية”. أكثر من 35 ضربة دقيقة بطائرات مسيّرة هزّت قلب طهران بين يناير 2024 ومايو 2025، كان آخرها استهداف مركز أبحاث نووية في أبريل، بحسب معهد الدراسات الأمنية في تل أبيب.

هذه الضربات، بقدر ما هي دقيقة ومحدودة، تثير أسئلة ثقيلة: من يملك سلطة الضغط على زر الإقلاع؟ ومن يقرر متى وأين تُضرب إيران؟ وهل نحن أمام مواجهة بين دولتين، أم شبكة تحالفات خفية تحكمها غرف عمليات سوداء تتجاوز حدود السيادة التقليدية؟

المسيّرات: سلاح الفعل بلا تبنٍّ
وفق تقارير تشاثام هاوس ومعهد SIPRI، تُظهر الضربات المسيّرة تحولًا جذريًا في أساليب الردع العسكري: حرب بلا طيار، بأقل تكلفة بشرية، وبأعلى مردود سياسي. تقدّر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النووية الإيرانية بما يفوق 60% في بعض المواقع، مع خسائر بشرية محدودة – أقل من 15 وفاة مؤكدة حسب منظمة العفو الدولية.

هذه الكفاءة لا تأتي من فراغ: الطائرات المسيّرة الحديثة تُحلّق لمسافات تتجاوز 1500 كلم، وتضرب أهدافها بدقة تصل إلى 90%. لكنها لا تحمل فقط المتفجرات، بل رسائل سياسية وأمنية مشفّرة، تكتب معادلات جديدة في دفتر الصراع الإقليمي.

إسرائيل… الواجهة فقط؟
رغم أن تل أبيب أعلنت مسؤوليتها عن أكثر من 22 عملية، تشير تقارير استخباراتية – منها تقرير لصحيفة فايننشال تايمز – إلى وجود “غرف عمليات سوداء” تدير الحرب من خلف الكواليس. هذه الغرف، وفق المصادر، تشمل إسرائيل، الإمارات، السعودية، وشركات أمنية خاصة، بالإضافة إلى دعم لوجستي من أجهزة استخبارات غربية.

هل إسرائيل هي اللاعب المركزي؟ ربما. لكن الأرجح أن ثمة “كونسورتيوم” استخباراتي–تقني يُدير الحرب بتقاسم أدوار متكامل، حيث تتوزع المهام بين التخطيط، التمويل، البرمجة، والتنفيذ.

الخليج: دعم صامت بحجم كبير :
تكشف وثائق دبلوماسية سرّبتها مصادر أمنية خليجية إلى وكالة رويترز أن الإمارات والسعودية قدّمتا دعمًا لوجستيًا وتقنيًا لشركات أمنية خاصة تنفذ ضربات نوعية ضد مواقع إيرانية. هذه الشركات، بحسب الوثائق، تضم نحو 800 خبير أمني يعملون في التنسيق السيبراني وتشغيل الطائرات المسيّرة من خارج حدود الصراع.

يتزامن هذا مع زيادة الإنفاق العسكري الخليجي الذي بلغ نحو 110 مليار دولار عام 2024، وفق SIPRI، معظمها موجه نحو الذكاء الاصطناعي الدفاعي، والطائرات غير المأهولة، وبرامج التجسس والردع السيبراني.
إنه دعم بلا ضجيج… لكنه يصنع أثرًا استراتيجيًا يتجاوز حدود الخليج.

إيران ترد: المسيّرات إلى قلب إسرائيل :
لم تبقَ طهران مكتوفة اليدين. فمنذ أواخر 2024، بدأت إيران تنفيذ عمليات انتقامية باستخدام مسيّرات من طراز “شاهد 136” و”كرار”، استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في الداخل الإسرائيلي، بما في ذلك الجليل، وقاعدة “بلماخيم” الجوية جنوب تل أبيب، في فبراير 2025، بحسب مركز INSS.

تشير تقارير أمنية إلى أن هذه المسيّرات أُطلقت من منصات متقدمة داخل العراق وسوريا، وربما من وحدات حوثية في اليمن. ورغم اعتراض القبة الحديدية لمعظمها، فإن اختراق بعضها للأجواء الإسرائيلية شكّل تحولًا في قواعد الاشتباك ورسالة مباشرة بأن “سماءكم ليست آمنة كما تظنون”.

التكنولوجيا تحكم… فمن يتحكم بالتكنولوجيا؟
تكشف تسريبات نشرتها مجلة Military Technology Today أن غرف العمليات السوداء تعتمد أنظمة رصد مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُحلّل أكثر من 1.5 مليون هدف محتمل أسبوعيًا، لتختزلها إلى قائمة من 100 هدف بالغ الحساسية.

وتعتمد إسرائيل على منظومات مثل “Firefly AI” و”Sky Dew”، التي تدمج بين معطيات جوية، استخبارات بشرية، وإشارات رقمية، لتوجيه المسيّرات بشكل شبه مستقل.

في هذا المشهد المعقّد، من يتحكم بالخوارزميات، يتحكم بالميدان. لكن من يضمن ألا تكون تلك الخوارزميات نفسها عرضة للاختراق أو التلاعب؟ في حربٍ تُدار بالخوارزميات، يصبح الخطأ احتمالًا كارثيًا.

الأبعاد الإنسانية: النزيف الصامت
في غمرة الضربات والسياسة، تكشف تقارير هيومن رايتس ووتش عن تصاعد الضغوط النفسية والنزوح الجزئي في أحياء طهران القريبة من مواقع الاستهداف. لم يُقتل الآلاف، لكن الآلاف باتوا يخشون النوم.

هذه ليست حربًا تقليدية. إنها حرب تستنزف الأعصاب، وتُنتج شعورًا دائمًا باللايقين… حيث لا يُعرف من أين تأتي الضربة القادمة.

الجغرافيا تُكتب من جديد :
في ظل هذه الضربات، تتحرك إيران لتوثيق تحالفاتها مع روسيا، الصين، وتركيا، في محاولة لبناء درع دفاعي مضاد للمسيّرات. هذا التحرك الدبلوماسي–الأمني يُعيد رسم خارطة الاصطفافات الدولية، ويطرح سؤالًا أكبر: هل يستطيع محور طهران – موسكو – بكين مواكبة سرعة التفوق التكنولوجي الغربي والخليجي–الإسرائيلي؟

مخاطر الانفجار: مسار بلا مكابح :
تشير تقارير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن فرص اندلاع مواجهة شاملة ارتفعت بنسبة 35% خلال الأشهر الستة الماضية. في صراع يعتمد على غرف عمليات غير رسمية وشبكات متعددة الجنسيات، يمكن لخلل بسيط أن يُشعل حربًا لا يمكن احتواؤها.

الأكثر خطورة هو أن هذه الحرب تتقاطع مع خطوط إمداد الطاقة، حيث يمر 23% من النفط العالمي عبر مضيق هرمز. كل مسيّرة تطير فوق الخليج… قد تهزّ الاقتصاد العالمي.

  1. من يمسك بخيوط اللعبة؟
    المشهد يزداد تعقيدًا: مسيّرات تُطلق من أماكن مجهولة، أهداف تُحدَّد عبر الذكاء الاصطناعي، وخطوط حمراء تُرسم وتُخرق في الوقت نفسه.

فمن الذي يملك القرار؟ هل هي تل أبيب؟ الرياض؟ أبوظبي؟ واشنطن؟ أم شبكة من الغرف السوداء تدار بمنطق “التحكم التشاركي”؟
وهل ما يحدث اليوم في طهران قد يحدث غدًا في دمشق، أو بيروت، أو حتى في عاصمة خليجية؟

خاتمة: لحظة ما قبل الانفجار
ضربات المسيّرات ليست مجرد تكتيك حربي. إنها إعلان غير معلن عن ميلاد جيل جديد من الحروب: تُدار من ظلال المخابرات، وتُنفذ بأصابع إلكترونية لا تُرى.

لم يعد السؤال: من يهاجم من؟
بل: من يبرمج من؟

في هذا العصر، من يملك الخوارزمية… يملك الزناد.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات